تأخر عن زيارة والدته أسبوعاً كاملاً لانشغاله بحياته وعياله وأعماله، بالرغم من قرب منزلها من منزله، وهو الذي عودها على زيارتها كل يوم لقضاء احتياجاتها، وتمضية بعض الوقت معها ليسعدها ويؤنسها، بالنسبة لها، فإن زيارته تمثل لها الدنيا وما فيها، فهو فلذة الكبد، وجزء من الروح، وعندما زارها على عجل في نهاية الأسبوع، وجد عندها طعاماً كانت قد أعدته خصيصاً من أجله لأنه لا يزال طفلها الصغير حتى وإن صار أباً ورب أسرة، تناول طعامه وهي تراقبه بسعادة، ربما لم يعد يذكر أن ذلك هو طعامه المفضل، عندما كان صغيراً، لكنها تذكر ذلك، بل وتذكر كل تفاصيل حياته، لدرجة أنها لا تزال تعامله كأنه في الخامسة، عندما أخبرته بكل ذلك شعر بالحزن، بسبب تقصيره تجاهها، ولأنه لم يعد يذكر كم تعتني هي به، وكم هو مقصر معها، شعر بأن عليه ألا يتركها بعد اليوم، أعاد حساباته، وحدد أولوياته، إسعاد أمه بهذه الزيارة مهما كانت قصيرة يجب أن يكون في قمة الأولويات، فما تقدمه اليوم من بر لوالديك سيعود إليك في المستقبل، ومن تلك اللحظة أخذ وعداً على نفسه بألا يتأخر على زيارتها يوماً، بل جعل يومه يبدأ من عندها قبل كل شيء. كلنا مقصرون في حقوق والدينا، خصوصاً تجاه الأمهات، ومهما فعلنا لن نوفي الأمهات حقوقهن، ولن نرد شيئاً بسيطاً مما فعلته لنا أمهاتنا، ذلك الحنان وتلك الرعاية، يا إلهي يكاد الأمر يكون كالحلم الآن، عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة! لكن ترى هل تغيرت مشاعر الأمومة مع التطور والعصرية التي نعيشها الآن؟ قفز ذلك التساؤل في رأسي لأننا كأمهات عاملات قد ننشغل بالواجبات الوظيفية والأعباء المهنية عن ممارسة أدوارنا كأمهات، أعرف أنني لا أستطيع أن أفعل كما كانت تفعل أمي معنا عندما كنا صغاراً! لا أشكك في مسألة الأمومة فهي أمر غريزي، غير أن المسألة مختلفة بعض الشيء عما كانت عليه سابقاً قبل تعقيدات الحياة العصرية، أذكر جيداً كيف كانت الوالدة، الله يحفظها، ترعانا بكل تفان ونكران للذات. تبقى الأم ترعى أبناءها مهما كبروا، وكأنها تراهم لا يزالون أطفالاً مهما تقدم بهم العمر، وصورة تلك الأم التي ناهزت المائة عام، والتي لا تزال ترعى ابنها المريض، الذي ناهز الستين انتشرت بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي كدليل على تفاني الأم في رعاية أبنائها مهما كبروا، وامتد بهم العمر، نسأل الله أن يرزقنا بر الوالدين. bewaice@gmail.com