تتزايد السلطوية عبر العالم في حين تشهد الديمقراطية تراجعاً. فقد وجد تقرير صدر عن «المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية» العام الماضي أنه «على مدى السنوات الست الماضية، بلغ عدد البلدان التي تتجه نحو السلطوية أكثر من ضعف عدد تلك التي تتجه نحو الديمقراطية» وأن ما يناهز نصف البلدان الـ173 التي تم تقييمها «تشهد تراجعاً» في مقياس واحد على الأقل من مقاييس الديمقراطية.
ولم تشكّل الولايات المتحدة استثناء في هذا الصدد، إذ وجد التقرير أن أميركا «تتراجع بشكل طفيف» عن ديمقراطيتها. ولكنني أخشى أننا بتنا الآن على شفا الابتعاد بشكل كامل عن الديمقراطية وأننا نسير نحو احتضان كامل للسلطوية. ذلك أن البلاد تبدو متعطشة لها، ويبدو أن العديد من الأميركيين يدفعون في اتجاهها. 
فقد بلغت الثقة في العديد من مؤسساتنا الكبرى -- بما في ذلك المدارس والشركات الكبرى ووسائل الإعلام الإخبارية -- أدنى مستوياتها في نصف القرن الماضي أو اقتربت منه، ويعزى ذلك جزئياً إلى المشروع اليميني الذي يقوده دونالد ترامب ويستهدف تقويضها. فوفقاً لتقرير لمركز «غالوب» صدر في يوليو الماضي، فإن ثقة «الجمهوريين» في 10 من المؤسسات الـ16 التي تم قياسها كانت أقل من ثقة «الديمقراطيين». وبالمقابل، كانت هناك 3 مؤسسات تجاوزت فيها ثقة «الجمهوريين» ثقة «الديمقراطيين» وهي المحكمة العليا، والمؤسسات الدينية، والشرطية. 
ومع فقدان الناس الثقة في هذه المؤسسات -- التي تُعد العديد منها أساسيةً من أجل الحفاظ على العقد الاجتماعي الذي تقدِّمه الديمقراطيات – فإنهم من الممكن أن يفقدوا الثقة في الديمقراطية نفسها. وحينها يفقد الناس خوفهم من مرشحٍ مثل ترامب -- الذي حاول قلب الانتخابات الرئاسية السابقة وقال مؤخراً إنه إذا انتُخب في المرة القادمة، فإنه لن يكون دكتاتوراً «ما عدا في اليوم الأول» -- عندما يعتقدون أن الديمقراطية تحطمت أصلاً. 
في كتاب تيم ألبرتا الجديد، «المملكة والقوة والمجد»، يشرح المؤلف أن العديد من المسيحيين الإنجيليين طوّروا، ما يسمّيه القس المعمداني الجنوبي اليميني روبرت جيفريس، عقلية «تحت الحصار» التي سمحت لهم باحتضان ترامب، الذي تتعارض سيرتُه الذاتية السيئة مع العديد من قيمهم المعلَنة. فهي تسمح لهم باستخدام ترامب كقوة في معركتهم ضد أمريكا المتغيرة. 
هذا النوع من التفكير يمنح نزعات ترامب السلطوية ترخيصاً -- أو يغضّ الطرف عنها. وإذا كانت هذه المؤشرات الاستبدادية أكثر وضوحاً على اليمين السياسي، فإنها يمكن أن تمتد أيضاً إلى اليسار.
ويستطيع المرء أن يحاجج أيضاً بأن الرئيس جو بايدن، الذي تشهد معدلات تأييده تراجعاً حالياً، يعاقَب من قبل البعض لأنه ليس سلطوياً وبالتالي غير قادر على الحكم بمراسيم: فالعديد من مبادراته – مثل حماية الناخبين، وإصلاح الشرطة، وشطب ديون الطلبة -- عُرقلت من قبل المحافظين. ولكن، هل كان بإمكانه أن يقاتل بقدر أكبر من القوة والشراسة في بعض هذه الحالات؟ أعتقدُ ذلك. غير أن التشريع من اختصاص الكونجرس في النهاية، والرؤساء مقيَّدون بالقيود الدستورية. 
والأكيد أن ترامب يحظى بإعجاب أولئك الذين يرغبون في رئيسٍ يتعامل بحزم وقوة مع ذاك الجهاز البيروقراطي، أو على الأقل يعبّر عن ازدرائه له ويكون مستعداً لتهديده. وعلاوة على ذلك، فإن فرص ترامب ستستفيد على الأرجح من جزء من الناخبين الذين يسيئون الحكم على جدوى التصويت. ذلك أنه ما زال هناك عدد كبير جداً من المواطنين الذين ينظرون إلى التصويت، ولا سيما التصويت الرئاسي، على أنه شيء يُمنح لشخص يعجبهم بدلاً من الإدلاء به لصالح المرشح والحزب اللذين من المحتمل أن يدفعا بالسياسات التي يحتاجونها. 
ثم هناك الكثيرون ممن يعتقدون أنه ينبغي رفض التصويت لمرشح مفضل من أجل معاقبته لأنه لم يلبِّ كل رغباتهم -- أن اختيار عدم التصويت على الإطلاق عملٌ معقولٌ من أعمال الاحتجاج السياسي وليس تنازلاً عن السيطرة لآخرين. فالامتناع عن التصويت، وفقاً لهذا الرأي، لا يمنح القوة وإنما يقوم بالتحييد. 
غير أنه إذا كان المرء يرغب في ازدهار ديمقراطية ما، فإن فكرة أن التصويت خيارٌ هي في حد ذاتها وهمٌ. ذلك أن التصويت يتعلق بالبقاء، والبقاء ليس اختياراً، بل ضرورة. إنه غريزة. 
وهو كذلك أداةٌ يستخدمها المرء من أجل التقدم الذاتي والحفاظ على النفس. إنه أداة يستخدمها المرء لتقليل احتمالات الضرر وزيادة احتمالات التحسن. ومن السذاجة استخدامها فقط لتأييد وتزكية شخصية فرد من الأفراد، وأنا هنا لا أعني أن الشخصية ليست مهمة -- بل مهمة – وإنما أن منحها الأولوية خطأ.
كما أن التصويت ليس مجرد تعبير عن رؤيتك للعالم، ولكنه أيضاً مظهر من مظاهر إصرارك على السلامة والأمن.
وفضلاً عن ذلك، فإن تحالف أوباما الذي سيعتمد عليه بايدن في 2024 «يتعرض لضغط شديد» بسبب مسألة الحرب بين إسرائيل و«حماس»، كما أخبرني النائب «رو كانا»، النائب «الديمقراطي» عن ولاية كاليفورنيا، خلال عطلة نهاية الأسبوع، غير أنه من الممكن إصلاح هذا الائتلاف من خلال «سياسة خارجية تقوم على الاعتراف بحقوق الإنسان»، وتشمل «التعامل بجدية مع الدعوات المطالبة بوقف محايد لإطلاق النار وإنهاء العنف». وقد حذّر بايدن يوم الثلاثاء من أن إسرائيل تواجه خطر خسارة الدعم الدولي بسبب «القصف العشوائي»، لكنه لم يؤيد حتى الآن وقفاً لإطلاق النار. 
ومع دعوة بعض «الجمهوريين» إلى السلطوية وفي غياب ائتلافٍ سليمٍ للتصدي لها، فيمكن القول إن ديمقراطيتنا باتت معلَّقة بخيط رفيع.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»