أظهر الأسبوع الماضي الحالة المؤسفة للتغطية السياسية في أميركا. فقد خلق التركيز الكبير على استطلاعات الرأي المبكرة والتكهنات حول احتمال تنحي الرئيس بايدن عن سباق 2024 الانتخابي (خلافاً للأدلة كلها) ما يبدو دورةً لا نهاية لها من التغطية المحمومة، التي لم تفد الناس بتاتاً بشأن الديمقراطية، أو المشاكل، أو خطر نظام استبدادي في رئاسة ثانية لترامب. ولم تسلم من ذلك أي وسيلة إعلامية أميركية كبرى. 
ولنتأمل هنا التغطية المكثفة جداً لاستطلاع رأي واحد لصحيفة «نيويورك تايمز» وكلية «سيينا» قبل عام كامل من الانتخابات (تغطية روّجت للرئيس السابق دونالد ترامب الذي وُجهت له لوائح اتهام أربع مرات على أنه متقدم في خمس من الولايات الست المتأرجحة، رغم أن ولاية واحدة فقط كانت خارج هامش الخطأ المحدد في الاستطلاع). صحيفة «نيويورك تايمز» بنت تغطيتها السياسية على استطلاع الرأي هذا لعدة أيام. وتناولته كل البرامج الإخبارية التلفزيونية تقريباً وعلّقت عليه. كما عُقدت موائد مستديرة لمناقشته. وعاملته التغطية كما لو كان كتابا منزلاً، ثم استخدمته كدليل على أن أمر بايدن قد انتهى (والحال أن أغلبية من استطلاعات الرأي الوطنية تظهر أن بايدن متعادل مع ترامب أو متقدم عليه قليلاً).
لكن لنتأمل سطحية استطلاع الرأي هذا. فأولاً، نحن على بعد عام من موعد الانتخابات. وإذا عدت إلى 2011 و2012، فإنك ستلاحظ التوقعات الهستيرية نفسها، من النوع نفسه من استطلاعات الرأي المبكرة التي تنبأت بالموت السياسي للرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما. ثم إن العديد من استطلاعات الرأي الأخرى، بما في ذلك استطلاع رأي قيّم جداً من بنسلفانيا، تُظهر أن أداء بايدن جيد إلى حد كبير في الولايات المتأرجحة (وكما أشارت استطلاعات رأي أخرى، فإن استطلاعاً «جمهورياً» للرأي وجد أن بايدن متعادل في ولاية نيفادا، ولم يخسر بعشر نقاط).
وفضلا عن ذلك، فإن استطلاع الرأي الذي أنجزته «نيويورك تايمز» كانت تشوبه عيوب لا تخطئها العين (فعلى سبيل المثال، أظهر الاستطلاع ترامب متأخراً بنقطة واحدة بين الناخبين الأصغر سنا، وأظهر فوزه ب22 في المئة من الناخبين السود، وتقدم بايدن في ولاية ويسكونسن بنقطتين وتأخره في نيفادا ب11 نقطة؟). ولئن كانت هذه النتائج لا تظهر في استطلاعات رأي أخرى، فإن وضع ذلك في سياقه الصحيح كان سيؤدي إلى وأد ما لا يحصى من الدورات الإخبارية. 
وبعد التركيز على استطلاع الرأي، ركزت التغطية السياسية كما كان متوقعاً على «بعض» «الديمقراطيين»، الذين كانوا متوترين حقاً بشأن إعادة انتخابهم -- ويعزى ذلك إلى استطلاع الرأي المذكور بشكل رئيس! (أسهل شيء في نقل الأخبار السياسية: إيجاد ديمقراطيين متوترين). والحال أن بعض «الديمقراطيين» ليسوا متوترين، والعديد من «الجمهوريين» خائفون بشأن مخاطر انتخاب ترامب. ولكن يبدو أن هذه الحقائق ليست مثيرة بما يكفي حتى يكون لها مكان ضمن نشرات الأخبار. 
واللافت أن كل هذا يأتي بعد عام على إصرار العديد من منظمي استطلاعات الرأي والمحللين على أن البلاد ستواجه «موجة حمراء» (فوز الجمهوريين) في انتخابات 2022 النصفية. وقد يعود كل ذلك إلى أن استطلاعات الرأي أضحت أقل قدرة على التنبؤ بكيفية سلوك الناخبين – وإن كانت أعداد متزايدة من التعليقات تهتم بأي استطلاع رأي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات المتابعة. 
وبالطبع، لم تحدث «الموجة الحمراء» الموعودة أبداً. وفاز «الديمقراطيون» بمقعد واحد في مجلس الشيوخ، وكان من الممكن أن يحافظوا على مجلس النواب لولا عمليات إعادة تحديد الدوائر الانتخابية التي أُبطلت لاحقاً، أو توجد قيد المراجعة حالياً، كما هزموا عدداً من أنصار ترامب لمنصب حاكم الولاية وأمين الولاية والنائب العام. وقد يعتقد المرء أن القليل من ضبط النفس والتواضع ربما يوجه التغطية السياسية من الآن فصاعداً عند التنبؤ بسقوط بايدن وحزبه. 
غير أن الواقع ضرب مرة أخرى، إذ صوّت الناخبون في ولاية أوهايو- قبل أسبوعين- بأغلبية ساحقة لصالح تضمين الوصول إلى الإجهاض في دستور الولاية. كما فاز حاكم «ديمقراطي» بإعادة الانتخاب في ولاية كنتاكي التي تصوّت تقليدياً للجمهوريين. وفي ولاية ميسيسيبي (الجمهورية تقليدياً)، حقق الحاكم «الجمهوري»، تيت ريفز فوزاً صعباً. وفي ولاية فرجينيا، راهن الحاكم «الجمهوري» غلين يونغكين (الذي تتودد إليه وسائل الإعلام كثيراً رغم آرائه المتطرفة) بحياته السياسية على الفوز بأغلبيتين «جمهوريتين» في مجلسي الولاية من خلال وعدٍ بفرضِ قيود جديدة على الإجهاض. ولكن «الديمقراطيين» لم يسيطروا على مجلس شيوخ الولاية فحسب، وإنما قلبوا النتيجة في «مجلس المندوبين» أيضاً. 
وليلة الثلاثاء، بدا أن أعضاء لجنة الأخبار في حيرة من أمرهم، ولا يعرفون كيف يفسّرون انتصار «الديمقراطيين». وللمرة الألف، نرى أن استطلاعات الرأي فشلت في التنبؤ فشلاً ذريعاً. وفضلاً عن معدلات الاستجابة المنخفضة والنماذج المعيبة، فإن استطلاعات الرأي لا تعكس بكل بساطة طريقة تفكير الناخبين (فالناخبون قد يشعرون بالاستياء تجاه بايدن وكل المسؤولين المنتخَبين المنتهية ولايتهم، ولكنهم قد يتحملون الكثير في سبيل إبقاء متشددي «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» الذين يريدون حظر الإجهاض خارج السلطة).
ولو كان المحللون السياسيون منتبهين، فربما لم يكن هذا الأداء الجيد ل«الديمقراطيين» ليفاجئهم. فرغم التغطية السلبية المكثفة والمفرطة لرئاسة بايدن، إلا أن «الديمقراطيين» حققوا سلسلة من النجاحات البيّنة، إذ فازوا في كل السباقات الانتخابية الستة المتعلقة بالإجهاض، وانتخبوا قاضياً تقدمياً للمحكمة العليا في ولاية ويسكونسن (في سباق ركز على الإجهاض)، وتفوقوا في الانتخابات الخاصة، علاوة على انتصاراتهم في الانتخابات النصفية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»