تُقاس إنتاجيَّة البحث العلمي بعدد البحوث المنشورة في المجلات المتخصصة بعد إخضاعها لمراجعة الأقران، والمفهرَسة ضمن مؤشرات التأثير للبحث العلمي «عامل التأثير». ولكنْ مع انطلاق الثورة الصناعية الرابعة، أصبحت إنتاجيَّة البحث العلمي تأخذ أطواراً وأشكالاً جديدة تسهم إسهاماً مباشراً في اقتصاد المعرفة. 

وعلى سبيل المثال؛ شكَّلت ريادة الأعمال الأكاديمية فرقاً كبيراً في ماهيَّة البحث العلمي، إذ أصبحت أغلب الجامعات تحتوي على ما يُعرَف بـ «حاضنات الأعمال» التي تشجع الطلاب والخريجين على تحويل مشروعاتهم البحثية إلى مشروعات ملموسة تحاكي التحديات الصناعية التي تحيط بهم. 

وقد لا تكون ثقافة ريادة الأعمال الأكاديمية هذه جديدة على الطلاب فقط، بل على أعضاء هيئة التدريس أيضاً، بسبب الطابع الأكاديمي التقليدي الذي يمر به الأستاذ الجامعي في مسيرته المهنية، ولذلك تجد -على مَرّ التاريخ- علماء بارزين كثيرين لم يحققوا نجاحات في الجانبَين العملي والصناعي، ومن هؤلاء نيكولا تسلا الذي كان مستواه العلمي يزيد كثيراً جدّاً على توماس أديسون، ومع ذلك فإن إنجازاته لا تُقارَن البتَّة بنجاحات أديسون العملية، وبراءات الاختراع التي حققها، نظراً إلى مهارته الكبيرة في ريادة الأعمال. 

ولذلك ينبغي لصناديق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عَقْد دورات تثقيفية وتدريبية في ريادة الأعمال لأعضاء هيئة التدريس، على غرار الدورات التي يخضع لها الطلاب، وبذلك يكون هناك تعاون مثمِر بين هذه الصناديق والجامعات. 

وتتمثَّل إحدى طرائق تنويع إنتاجيَّة البحث العلمي حاليّاً في زرع ثقافة براءات الاختراع في نفوس طلاب المرحلة الجامعية، وهو ما طبَّقه مكتب تسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة الأميركية، إذ شرح أحد الزملاء الأكاديميين الأميركيين أن المكتب يشجع الطلاب على تسجيل مشروعاتهم ضمن فئة براءات الاختراع المؤقتة، التي لا تكلّف سوى مبلغ زهيد من المال، مقارنةً ببراءات الاختراع الأصلية. 

ومن مزايا براءات الاختراع المؤقتة هذه أنها تَظهر في جميع منصات براءات الاختراع العالمية لمدة سنة، وتكون محط أنظار كل الشركات والمستثمرين، ما يزيد فرص تحويل مشروعات التخرج إلى بحوث تطبيقية للحلول الصناعية، وإنشاء شركات ناشئة يديرها أصحاب تلك المشروعات. 

كما تجب دعوة الجامعات إلى تغيير نظام ترقياتها الأكاديمي الذي يعتمد على عدد المنشورات فقط، وحثّها على إدخال مؤشرات أداء جديدة ذات جدوى تطبيقية أكبر، ومن ذلك تكوين شركات ناشئة مع الطلاب، أو توفير حلول صناعية للمؤسسات بدل الاعتماد التام على الشركات الاستشارية. 

إن تنويع طرائق إنتاجيَّة البحث العلمي أمر مهم جدّاً لتشجيع كل الفئات على المشاركة في الحراك البحثي، وفقاً لقدرات كل فئة، ودورها في منظومة البحث العلمي.