ليس كأغلب المدارس الفنية؛ يمكننا تقعيد وترسيخ ملامح لـ”فن الرقابة”، إذ أنه ليس صنيعة بشروط خاصة، كونه موضوعاً للحرمان، ليدخل فيما يتم الاعتراض عليه لأي سبب، يعكس عدم السماح بعرضه، وعلى هذا نحن أمام قضية تتجاوز الفن كقيمة، وتدخل في إطار الصراع الفكري بين منظومات عقائدية، تقليدية. مشهورة عملية “مقص الرقيب”، وفي الكلام عن الرقيب؛ يُرجأ الأمر إلى فردانيته في رؤية ما يصلح وما لا يصلح، بحسب استقائه سلطته من وظيفته المتعينة اجتماعياً، فليس هناك قالب نظامي يمكن القياس عليه، حيث ما يمنعه شخص في المكان نفسه يسمح به آخر في المكان عينه، ويُدخلنا هذا في الفوارق المعرفية بين المبدع والموظف حتى لو كان مبدعاً هو الآخر، كما يُدخلنا في كون الرقابة والرقيب مهنة عامة، يقوم بها كل شخص حسب المعتقد الانتمائي القائل إن “الكل مسؤول عن كل شيء”، ولهذا فإن أشكال الصراع على بناء الفكرة المؤسساتية من باب التخصص تؤدي دائماً لفشل العمل بأولويات الإبداع، مُرْتَكِنةً إلى وحشنة الجمهور القائمة على قيادة عجلة التخلف، ومن هنا نفهم كيف ينشأ تعصب ما لبعض الأفكار، فالتعصب في أغلبه قائم على تحديد نقاط عمل لموضوع ما؛ من دون حياد أبداً، مما يُلقِي أعباءً لا حصر لها على المتعصب نفسه، فقد أصبح بذلك حامي حِمى شيء ما، مما يصيبه مع الوقت بِرَدَّات فِعل عُصابية في التعبير عن آليات حربه من أجل رسوخ عقيدته عند ظاهرها المُؤول في اتجاه خطي مباشر، ناسياً بذلك أن ما يعمل هو على حمايته وتقديسه يتآكل بسبب من تكنيزه. الكنز إذن ليس كنزاً لأنه سِرٌ ولو حتى سِرٌ علني، إنه كنز لأن له قابلية الحركة على أساس التفاعل والتجريب والتغير، ومن ثم الاستخدام المتعدد التأويلات والأوضاع. دائماً وعلى مر الزمن، ما يكون هناك مَنع لشيء ما، ومع الوقت، وبسبب من تغير النظم المعرفية للفهم، يبدأ الناس في تقبل الممنوع كأمر اعتيادي، وهكذا تسير جدلية الفوارق بين العقول المختلفة على أساس الظاهر القِشري للمجتمع، إذ أن المجتمع خلف قشرته متطوراً بمراحل تُذْهِل الرقيب الذي يعرف أن ما يمارسه منوط حماية قشرة الثمرة، فهو نفسه يقوم بِفَض غشاء تلك القِشرة والاستمتاع بما يمنعه، لهذا فإن المناداة بأصل الصِلة بين القشرة والبذرة تأخذ أهميتها من الرجوع إلى الطبيعة الفاعلة للتركيبة الإنسانية قبل تقييدها بمبادئ ضد تكوينها البدئي، وعليه فإن حرية التعبير هي المبدأ الحاكم للتطور المادي لفيزياء الوجود، والمبدأ القائل بأن كل حرية مشروطة هو مبدأ الهراوة، لأن الأصل الإطلاق وليس المنع، ولكن على أساس من تبادل الأفكار لفرض حياة وليس لفرض سيطرة. إن كُل ما تم منعه عبر التاريخ البشري معروض الآن في متحف اللذة الأعلى للوعي بلا محدودية الطموح الإنساني، وليس ما تم تقنينه بدعوى التحضر الموهوم لبشريةٍ؛ لَمْ ولن تعرف أبداً معنى التحضر إلا على أساس إقصائي. amzf@live.com