حين كانت «وردة سحتوت» تساعد الأطفال في سوريا أثناء الحرب الأهلية المريرة في بلادها، طلبت من الأطفال أن يرسموا أحلامهم وما يأملون أن يكونوه حين يبلغون سن الرشد. رسم كل طفل أسلحة وزياً عسكرياً ودماءً. فلم يتخيلوا إلا أن يكونوا مقاتلين. أما وردة نفسها فلم تكن تعلم ما يحمله لها المستقبل. فقد حصلت على درجة علمية في الاقتصاد، لكنها أصبحت تعمل في مساعدة الأطفال بسبب الدمار المحيط بها. ومع القلق اليومي بسبب الماء والغذاء والكهرباء والغاز، كان من الصعب عليها أن تفكر فيما هو قادم. والحاجة كانت شديدة وطاغية لدرجة أنه لم يكن بوسعها أن ترى بوضوح كيف سيكون لها هي نفسها تأثير.
لكن منحة دراسية شاملة تغطي كل التكاليف من جامعة كولومبيا غيّرت كل هذا. فهي تدرس للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي مع التركيز على حلول الصراعات. وتريد أن تعمل في الأمم المتحدة لمساعدة الأطفال الذين روّعتهم الحروب. وقالت: «كنت بحاجة إلى أن أكون هذه المرة، من أجل الخروج لأرى الصراع من الخارج».
وفي الآونة الأخيرة، أعلنت جامعة كولومبيا عن مسعى عالمي لمساعدة أشخاص مثل وردة من اللاجئين والطلاب النازحين بسبب الحرب والكوارث الطبيعية. وذكر مسؤولون من جامعة كولومبيا أن منحة الجامعة للطلاب النازحين هي الأولى من نوعها في العالم، يغطيها تمويل يبلغ ستة ملايين دولار في العام. وتغطي المنحة مصاريف التعليم والمعيشة لما يصل إلى 30 طالباً في العام، ممن يجري قبولهم في برامج التخرج ما قبل الجامعية أو برامج التخرج الجامعية.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن هناك أكثر من 70 مليون نازح يعيشون كلاجئين أو يسعون لنيل حق اللجوء، وهو رقم تاريخي دفع الجامعة للتحرك. وذكر لي بولينجر الذي تزعم مبادرة المنحة الدراسية مع صفوان مصري وهو نائب الرئيس التنفيذي لمراكز كولومبيا جلوبال، في بيان مكتوب، أن «البرنامج ينقل رسالة قوية عن الدور الذي يجب أن تلعبه المعاهد العلمية والجامعات في مساعدة الشباب الذين تعطل تعليمهم لأنهم أُجبروا على الفرار من العنف والاضطهاد في دولهم الأم». وذكر مصري أن الجامعة عملت مع اللاجئين عبر طائفة من الوسائل حول العالم وقررت أن تتخذ دوراً حيوياً في تقديم فرص للطلاب البارزين المضطربة حياتهم. وكان من بين الحاصلين على برنامج تجريبي سابق على المبادرة العالمية وردة وستة طلاب سوريين آخرين من بينهم شخص ذكر أنه احتجز وتعرض للتعذيب. وعبّر «مصري» عن أمله في أن تؤدي رغبتهم في العطاء إلى تأثير تتردد أصداؤه في مجتمعاتهم. وأكد قائلا: «كل قطرة في المحيط لها أهمية».
وعاشت وردة في مدينة «دوما» القريبة من دمشق حيث تعرض الناس للعنف والفوضى وهجمات كيماوية تحدثت عنها تقارير صحفية. ورأت وردة قنبلة تسقط بالقرب من منزلها بعد خروجها منه على الفور في أحد الأيام. ونزحت وردة من مكان إقامتها 11 مرة. وكانت أمها قد تركت المدرسة حين كانت تبلغ 12 عاما ووالدها لم يحصل على قدر كبير من التعليم أيضاً. لكن وردة دأبت على مواصلة دراستها رغم الخطر وسعت إلى الحصول على منحة دراسية.
وحين جاءت إلى نيويورك في أغسطس 2018، في أول سفر لها وحدها من سوريا، كانت خائفة من الضوضاء المرتفعة للطائرات والإنشاءات والشاحنات. وبعد بضعة شهور، أدركت أنها في مأمن وأنه ما كان يجب أن تخاف من هذا. وأسرت المدينة لبها قائلة: «كان من الرائع بالنسبة لي أن أرى أناساً من خلفيات مختلفة ودول مختلفة يعيشون بسلام معاً». وفي جامعة كولومبيا، استطاعت أن تجتهد في دراستها ودوراتها التدريبية لتقرر أي الطرق ستكون أفضل تأثيراً في بلادها. وذكرت أنه كان بوسعها أن تواصل دراستها في الاقتصاد في سوريا في نهاية المطاف، لكن ما كان لها أن تكتسب البعد الإنساني الذي أدركته هنا والذي يحركها الآن.
وبوسعها الآن أن تستعيد ذكريات ما كانت تعانيه في الشهور الأولى في المدينة. وتقول: «الآن لدي رؤية أوضح وأفكر بشأن تعليمي وما أريد القيام به». وهي تفتقد العمل في الميدان وعناق الأطفال من جديد حين يرونها بعد غياب. لكنها تشعر الآن أنها حين تعود سيكون لديها وسائل أكثر بكثير لمساعدتهم. وهناك أمور كثيرة تعلمتها في كولومبيا ليس أقلها أنها تعرف نفسها أفضل الآن، بحسب قولها.
سوزان سفرلوجا
صحفية أميركية تغطي شؤون التعليم
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»