منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الثقافي الأهم في العالم العربي، والأكثر جذباً للفعاليات الثقافية والفنية الكبرى من كل أنحاء العالم، وتستقطب هذه الفعاليات التي تحفل بها مدن الدولة المختلفة، في كل أوقات العام، أبرز أعلام الفكر والثقافة والفن والأدب وكبار المبدعين العرب والعالميين الذين يجدون في الدولة المكان المناسب لإيصال صوتهم وإنتاجهم إلى العالم بأسره.

وكانت الثقافة جزءاً من النجاح المشهود في بناء القوة الناعمة للدولة، حيث أسهمت في حصولها على المرتبة العاشرة عالميّاً في المؤشر العالمي للقوة الناعمة لعام 2023، الذي شمل 121 دولة، وتقدمت بذلك خمس مراتب عن موقعها في المؤشر نفسه عام 2022. ويعود هذا الموقع الثقافي المرموق لدولة الإمارات إلى اهتمام القيادة الرشيدة بالثقافة والفنون، وهو ما يُجسِّده قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله: «نحن في دولة الإمارات نعتبر العلم والثقافة جزءاً لا يتجزأ من إرثنا الحضاري، ومن العملية التنموية، ومن بناء الإنسان والهوية المنفتحة الواثقة بنفسها، دون أن تتنكر لقيمها وأصالتها وتراثها».

كما يمثل العمل المنظم والتخطيط السليم للعمل الثقافي واحداً من أسس النجاح، على النحو الذي يظهر في «الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية»، التي أطلقتها الدولة عام 2021، وهي تهدف إلى النهوض بقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، وزيادة نسبة مساهمته لتصل إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2031، وتعزيز مكانة الدولة على خريطة الإبداع الثقافي العالمي، وأن تكون الإمارات الوجهة الجاذبة للمبدعين في المجال الثقافي من مختلف أنحاء العالم.

وفي هذا الإطار يأتي إطلاق وزارة الثقافة والشباب مبادرة مخصصة لتحفيز المبدعين الإماراتيين وإطلاق طاقاتهم وتوفير كل الظروف الملائمة لإنضاج مواهبهم وقدراتهم، تحت عنوان «البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع». ويشمل البرنامج سبعة مجالات رئيسية هي: التأليف والنشر، الموسيقى، الأفلام والتلفزيون، الفنون الأدائية والمسرح، الفنون البصرية والتصميم، ألعاب الفيديو، والتراث الثقافي.

ومن خلال منح سخية تتراوح قيمتها بين 100 ألف درهم و50 ألف درهم، يحصل المبدعون الإماراتيون على فرصة التعريف بأعمالهم بشكل أكبر لدى الجمهور المحلي والعالمي، سعياً لإبراز المنتج الثقافي المتنوع والغني لدولة الإمارات.

ويضم البرنامج أربع فئات من المنح، هي: منحة الإبداع والإنتاج، التي تهدف إلى تمويل إنتاج أعمال فنية وإبداعية أصيلة ومبتكرة عبر وسائل مختلفة مثل الأفلام والموسيقى والعروض وألعاب الفيديو، ومنحة التوزيع والمشاركات المحلية، التي تهدف إلى تغطية تكاليف توزيع وترويج ونشر المشاريع الإبداعية، ومنحة تنمية المهارات، وهي مخصصة لتغطية رسوم البرامج المهنية قصيرة الأجل مثل الدورات المعتمدة والدبلومات المهنية، ومنحة السفر والتنقل الدولي، وهي مخصصة لتشجيع المبدعين على المشاركة في المهرجانات والمعارض والفعاليات الدولية.

ويعكس البرنامج إيمان دولة الإمارات ومؤسساتها بأن الاستثمار في الموارد البشرية لمواطني الدولة، يبقى الركيزة الأهم في تحقيق هدفها المتمثل في أن تكون أفضل دول العالم بحلول مئويتها عام 2071، وفي توظيف طاقات مبدعيها التوظيف الأمثل الذي يضيف إلى مسيرة الرخاء والازدهار.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.