إن وقف رجل فاقد للبصر في النور فإنه لن يستفيد من النور شيئاً، وإن وقف رجل مبصر في الظلام الدامس لن يرى شيئاً ولن يستفيد من قدرته على الإبصار كذلك، ولذلك هناك الكثير من المعلومات الخاطئة التي تدور في الثقافة الشعبية حول الدماغ، ولكن كيف تهدم أصنام وقوالب الأفكار المزروعة في عقول العامة وماذا يتطلّب لوضع الأمور في نصابها الصحيح؟ فالكثير مما نقرأه عن الدماغ مليء بالأساطير والمعلومات الخاطئة التي لا تفرّق بين العقل والمخ، والوعي والإرادة والذات، وعن النشاط المخي الدماغي في الخطاب العام مثل مقولة «أن البشر يستخدمون فقط 10% من قدرات أدمغتهم»، ولك أن تتصور أن أصل هذه الأسطورة يعود لمقال كتب بقلم ويليام جيمس عام 1907، وأساطير أخرى عديدة تسمع الناس يرددونها يومياً بكل ثقة، وخاصةً ممن يحملون أعلى الشهادات العلمية ويعملون في أعلى المناصب القيادية، وهي على سبيل المثال لا الحصر: أن الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية يساعد على زيادة معدل الذكاء أو التعلّم، وأسطورة أساليب التعلّم أي أن كل شخص (لا يعاني من صعوبة تعلّم أو عائق معين) له طريقة تعلّم دون سواه.
والخرافات تؤثر على حياة الناس، ومثال على ذلك نسبة الإلحاد بين صفوف المسلمين الذين يتحولون إلى الإلحاد بالملايين بسبب أمور مهمة لم يتدرب المختصون على الإجابة عليها، والتي يعتبرها المشككون خرافات، وذلك مثل «أن قلب الإنسان هو مصدر التفكير واتخاذ القرار»، وبسبب قصور فهم المنظومة لمعنى القلب كعملية متكاملة لا تقتصر فقط على القلب الذي يضخ الدم والذي يمكن أن يستبدل بقلب صناعي، بل على عمليات كثيرة نتيجتها «أن العقل يعقل» تأتي من أجزاء مختلفة من جسم الإنسان وأمور أخرى غير مادية، ومن جانب آخر تستمر المعتقدات العلمية القديمة ويتم الدفاع عنها بقوة بعد فترة طويلة من وجود أدلة كافية للتخلي عنها.
الدماغ ليس مقسماً إلى قطع ألغاز ذات وظائف نفسية مخصصة، وما يتعلق بالعقل هي نظريات علمية وليست حقائق علمية غير قابلة للمراجعة والتعديل واكتشاف ما قد ينسفها من جذورها، ومن الخرافات السائدة أن الدماغ يتطور فقط خلال السنوات الأولى من الحياة، ولكن في الواقع يمكن أن تتغير روابطنا وهياكلنا العصبية طوال حياتنا، ومن الافتراضات الشائعة أن قدرة دماغنا وقدرتنا على التعلّم تتشكل فقط من خلال الوراثة، ووفقاً لهذه الأسطورة تحدد جيناتنا مدى ذكائنا أو غبائنا، أما الخرافة الأكثر شيوعاً وشهرةً هي أن يمتلك الأفراد المبدعون نصف دماغ أيمن مسيطر، والأشخاص العقلانيون لديهم نصف دماغ أيسر مسيطر.
ومن الخرافات الشهيرة والمهمة كذلك أن الأطفال يحتاجون إلى بيئات تعليمية غنية، ويحتاجون إلى ألعاب وأنشطة خاصة مصممة لتحفيز الدماغ، وأدى هذا إلى سوء فهم حول نوع المحفزات المطلوبة في بيئات التعلّم الغنية، وظهور سوق لما يسمى بألعاب «تحفيز الدماغ» التي تهدف إلى جعل طفلك أكثر ذكاءً، ومعظم الخرافات خلفها لوبيات كبيرة حتى من ضمن مجتمع البحوث العلمية والصناعات الكبرى.
هل يمكنك تدريب عقلك ليكون أكثر ذكاءً؟ نعم جزئياً فقط، ومن الجيد أن تحافظ على نشاط عقلك، ولكن دفع مبالغ ضخمة لتعزيز مهام الدماغ وعقاقير تساهم في زيادة معدلات الذكاء لن يمنحك ذكاءً أعلى عموماً، وذلك كما كشفت الأبحاث الحديثة في علم الوراثة الجزيئية أن فكرة الدماغ الثلاثي هي أسطورة، وكذلك أن الدماغ يخزن الذكريات مثل الكمبيوتر ليتم استرجاعها بالكامل عند الحاجة، ولكن لماذا من المهم أن نتحدث عن مثل هذه الأمور؟ لأنها مرتبطة بصورة مباشرة بحياة الناس، وتتخذ الحكومات قرارات بناءً على فهم مسؤوليها لعقل الإنسان، وترتبط بالتعليم والصحة وشتى مناحي الحياة، ونتصرف مع الآخرين متأثرين بقناعات خاطئة تقف خلفها صناعة الأسطورة العلمية.

كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات