منذ شروق الرسالة المحمدية العظيمة، وبداية ظهور الإسلام الحنيف على وجه البسيطة قبل ألف وأربعمائة عام ونيف، وحتى في زمن التتار أيام هولاكو السوداء، لم تمر على العرب، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، حروب طائفية ومذهبية مقصودة ومقيتة، مثلما هو حادثٌ اليومَ بحق الطيف السني تحديداً، والذي يتعرض أهله في أماكن عديدة للعنف العشوائي وللاعتقال الانتقائي والقتل على الهوية، كما يتعرضون للتعذيب والتهميش والإقصاء والتهجير والاجتثاث والتدمير والاقتلاع من بعض دولهم، كما يحدث في العراق ولبنان واليمن وسوريا. وبالطبع لم نر أي تدخل من الدول الأجنبية والمنظمات الحقوقية الدولية التي طالما صدّعت رؤوس العالم بالحديث عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات الثقافية والدينية والعرقية.. ولا حتى تدخلات مؤثرة من الحكومات والمنظمات ذات الشأن والمعنية بالأمر مباشرة.. لإنقاذ هذا المكون من التمييز الطائفي القائم بحقه، والذي مورس ضده بقسوة مشهودة، بل على العكس من ذلك حيث رأينا بالأساس جملة اتهامات بالإرهاب أو بإيوائه ودعمه وتشجيعه، يتم توجيهها لهذا المكون!
وبينما هناك دول أجنبية وأقليمية بعينها، تقوم بدعم طرف ضد طرف آخر ومساندته علناً، وهو الطرف المضاد للمكون السني المضطهد والمغيب والمهمش، والذي ظُلم بجريرة فئات متطرفة لا تمثله ولا تمت بصلة لفكره الديني ونهجه المعتدل وقناعاته السياسية المستنيرة، القائمة على قيم التعايش ومبادئ التفاهم والاعتراف بالآخر. وتقوم تلك الأطراف المعتدية المدعومة إقليمياً ودولياً بإشعال الفتنة والتفرقة والعنصرية.. لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي وفق إجندات معينة لصالح دول محددة، وبغرض الثأر والانتقام والنيل من مكانة وحقوق المكون الذي أصبح مستهدفاً ومطارداً، بل ومحاصراً من عدة جهات، تستهدفه تلك الميليشيات بكل ما تملك من أدوات نفوذ وبطش، لزيادة تهميشه وتجييش المنابر والفعاليات والندوات والمؤتمرات ومراكز البحوث ضده، وغسل أدمغة الرأي العام، وكل وسائل الإعلام على إختلاف أصنافها وأنواعها وأشكالها، لإنها هي كذلك مدعومة وممولة من أجل هذا الغرض الاستئصالي التدميري، الذي يريد الانتقام والنيل من كل مَن لم يواليه أو يسلك سلوك معتقده ويتبع طريق مذهبه.
ومنذ عام 2003 تم شن حرب شعواء ضروس طاحنة وظالمة ضد المكون السني، بحجج واهية وأعذار مزعومة وتبريرات ملفَّقة، وتم فيها استخدام كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الأدوات الفكرية والدينية والعسكرية، علاوة على سلاح المال والإرهاب والخطاب الطائفي وأساليب الضغط النفسي وكل وسائل الإكراه الأخرى من مصادرة الأموال والبيوت والممتلكات والاعتقال والقتل والتهديد والترويع.. بشكل صريح وسافر ومعلن، بلاخوف ولا حياء ولا رادع يوقف غضبهم ومخططهم. ومَن لم يعلِن ولاءَه لهم فهو في خبر كان ويلقى نصيبه من الدمار والهلاك، أو يواجه مصيراً مجهولا ليصبح شأنه شأن آلاف المفقودين ومئات المغيبين، أو يفر بجلده ليلحق بأفواج من ملايين المهجّرين قسرياً، ممن يعيشيون لاجئين في الدول الأجنبية والغربية التي أصبحت ملاجىء لهم ومنافي لعوائلهم وأطفالهم، وهم على كل حال أحسن حظاً من أبناء جلدتهم وجيرانهم وأصدقائهم الذي كانوا بالأمس أخوة وزملاء ورفاقاً في مجتمع واحد متجانس ومنسجم ومتناغم مع بعضه بعضاً، تحكمه القوانين والأنظمة ودولة المؤسسات وليس الميليشيات الطائفية المسلحة المدعومة من أطراف معادي. لقد طردوا خارج الحدود الكثيرين من هذا المكون ظلماً وتعسفاً وبهتاناً، وأغلبهم فرّ إلى بلدان غير عربية لأنها تتعامل مع الإنسان على هويته الإنسانية وليس طائفته التي أصبحت سبب تهمة وإدانة له في بلده الذي ولد نشأ وتعلم وعمل فيه كمواطن مخلص وبريء وصادق ومنتج، ظل يحظى بكل الحقوق والواجبات، أسوةً ببقية مواطني بلده من كل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب والأقليات الأخرى، الذين لا يختلف معهم في المواطنه والانتماء، وذلك بالطبع قبل موجة الحروب الطائفية العمياء التي اجتاحت المنطقة.


*كاتب سعودي