تركت مساحة كبيرة في حديقة منزلي شاغرة، لم أغرس غير شجيرات وأحواض زهور وورد على أطرافها، كنت أنظر إليها تعويضاً عن المساحات الكبيرة من الرمال التي عشت فيها وحوطت كل شيء في حياتي، منذ الطفولة.. تلال رملية تحف منطقتي وتفصل البر عن البحر، لا مسارات غير حقول من الرمل والأراضي المستوية بين ارتفاع التلال الرملية وساحل بحري طويل. البحر وحده اللون المختلف عن بياض الرمل، عندما تخطو خارج باب منزلك القديم يستقبلك الرمل، أماكن وساحات اللعب رملية، شواطئ البحر رملية، لا تعرف في الحياة غير لونين فقط، هما اللونان الواضحان بقوة: رمل أبيض وبحر أزرق.
 الآن بعدما علمنا البحر أهمية اللون الأزرق وجمال وروعة الماء/ البحر المتدفق دائماً، والنابض بالحياة، وعلمنا أن لصوت الموج نغمة وموسيقى بديعة، جعلتنا بعد زمن نفهم أن الحياة من دون نغم أو موسيقى لا معنى لها، وأن الأصوات في تدرجها بين الموج الهادئ وانسياب الماء/ البحر على الرمل في تجانس جميل هو الحياة. 
 وحده النخل زينة السائد.. تمضي الحياة ويتغير كل شيء إلى الجمال والروعة في كل شيء، فقط يظل عشق اللون الأخضر ساكناً في الجوف، ولم يكن متحققاً بشكل كبير في أزمنة الصحراء القديمة، وربما ذلك الإرث جعل لدي حباً عظيماً للأخضر والعشب والمساحات الخضراء، لذلك عندما امتلكت منزلاً كان همي أن تكون هناك مساحة خضراء، تعوض الشعور الذي لازمني في حب العشب واخضرار الحياة. في وسط هذه المساحة الخضراء ظهرت شجيرة صغيرة من أشجار الصحراء والتي تظهر عادة بعد المطر، وقد تخرج نتيجة جلب الرمل للحديقة من تلك الرمال البعيدة في الإمارات أو مع الأسمدة الطبيعية. خرجت تلك الشجيرة وسريعاً ما أخرجت أزهاراً صغيرة صفراء جميلة، أزهاراً تشبه أزهار دوار الشمس ولكنها صغيرة، أحببتها كثيراً، ووعدت نفسي أن أحتفظ بلقطات مصورة لها عندما تنمو قليلاً وقبل أن تذبل، في كل يوم أراقبها وأعتني بها وأهتم بريها، وهي تستجيب لتلك العناية والاهتمام وتزداد في النمو وعطاء الزهور الرائعة الصفراء. 
هذا الصباح صحوت على صوت عالٍ في المنزل، قلت لنفسي ما بال الشغالة تستعجل في التنظيف منذ الصباح الباكر جداً، لعل طرق العيد على الأبواب جعلها تغير نظام البيت، فتحت النافذة، فجاء الصوت عالياً جداً. إنه صوت محرك جز العشب، أسرعت إلى الحديقة، وجدت العامل/ المزارع قد اقتلع وجز كل شيء، وأيضاً جز الشجيرة وأزهارها الجميلة، حزنت وتأسفت كثيراً على صنيعه، قلت: يد تزرع وأخرى تجز وتقلع، ما هذا، نعم هكذا هي الحياة. لقد مسح كل شيء حتى الصورة التي كنت أحلم بالتقاطها لتلك الأزهار الجميلة.