يوم مضبب بدت فيه السماء كائناً عملاقاً موشحاً بنطاق الحرير الرمادي، والشارع الممتد من مدينة خليفة حتى أقصى مركز العاصمة، اعتنق فكرة الزحف على حبال زلقة.
وحدهم الحمقى، والمهووسون، والقابعون في أواني الطيش، والراسخون في عقول أشبه بصحون معدنية، الذين يقبضون على معصم الطريق، كأنهم يقتادون منفلتاً من عصمة التأني، هؤلاء الذين يمسكون بتلابيب الصباح وكأنهم ذاهبون إلى مهرجان سباق الثيران، وهناك على طرف خفي، وعند الهوامش يمضي العصاميون من موظفي الدرجة الثانية أو الثالثة، هؤلاء يضعون الأيدي على الصدور، خافقين بألم الخوف، ليس من الضباب، وإنما من حماقة المتهورين والذين يحتلون الشوارع، كما هي جحافل سادرة، وعند كل موقف، أو إشارة حمراء، يتنفس العصاميون الصعداء، ويضعون نصب أعينهم اتجاه ما بعد الإشارات، وينظرون إلى حيث يلبد شخص ما خلف مقود سيارته، ويتربص باللون الأحمر كي يختفي، ويبدأ نهاراً عاصفاً، خاسفاً، ناسفاً، متعسفاً بمشاعر الآخرين بقلب يشبه كتلة مطاطية ضربتها شمس القيظ.
وآخر يقف بجواره يحمل بين ثناياه، قلباً رهيفاً، ممزقاً من شديد الخوف، بالضباب يهبط على رأس الخليقة كمظلة شاسعة، ويخيم على المكان في صورة محتل فضائي، قاصم للفرح، مهيض الأرواح منسكب كأنه الفيض البغيض، ولا شيء يمنع هذا الشال الغليظ من كبح الرؤية، وإشاعة جو من انحسار الشارع، وزوال معالمه، وتلاشي خطوطه البيضاء والتي استحالت إلى عدم مريع.
العصاميون يحاولون تلمس الطريق عبر ذاكرة سالفة، وعن طريق صورة قديمة، وبعقلية الكمبيوتر الغريزي، ويمضون في أناة، وتؤدة، ويحملون بين صدورهم صور الأبناء، والزوجة الذين ودعوهم عند عتبة باب المنزل، ويقطعون الطريق، في سيارات تسير بخطوات أقرب إلى خطوات أطفال في بداية القفزة الأولى، والوثبة ما بعد الحبو، بينما حمقى كثيرون ينظرون إلى هؤلاء المتمهلين بشذا، ونظرات عدائية، مؤنبة هذا السلوك، معتبرين ذلك عرقلة لطيشهم.
وبعد حين تسمع سحيق عجلات، وصدى لطمة ترن لها أذن الأرض، وتصطك لها أسنان النجوم، في السماء. يا إلهي ماذا حدث؟ لقد تهشمت مركبة، عند الناصية إثر اصطدامها بكتلة خرسانية عند طرف الشارع.
لا شيء يرى في ظلام الضباب، ولكن حشرجة الحشود، تدل على أن حدثاً جللاً قد حل وصفير سيارات الإسعاف يشير إلى وجود ضحية، أو أكثر، وتقول أنت اللهم لا شماتة، ولكن ليس الطيش، والاستهتار بالعقاب، سوى إزهاق أرواح، كان لها الحق في العيش بسلام، على أرض وطن هيأ للناس أجمعين الحياة الشريفة، والآمنة، ولكن للأسف هناك من لا يزعجه شيء أكثر من السعادة. والله المستعان.