في مجتمعات ما قبل الوعي، وما تحت الإدراك، لو سمع ولي أمر أن ابنه أو ابنته تكره فلاناً، لما هز ذلك الشعور شعرة في جسده، بل يصبح الأمر طبيعياً ولا يحتاج إلى رد فعل أو استنكار لما يحدث لفلذة كبده، ولكن فيما لو عبر الابن أو الابنة عن مشاعر حب تجاه شخص ما، وبخاصة إن كان هذا الشخص جاراً أو جارة أو قريباً أو قريبة، فإن القيامة ستقوم، والأموات سوف ينفضون عن أجسادهم طين الأجداث، وتحدث الزلزلة، تنديداً وشجباً لهذه المشاعر المستهجنة. 
 لماذا؟ لأن العقل الباطن واللاشعور الجمعي اختزن فكرة جهنمية حارقة لا تتحمل كلمة حب، بل ارتبطت هذه الكلمة بالرجس والانحراف عن المعقول والذهاب بالسلوك نحو حفرة سوداء، اسمها العيب. 
 هذه الكلمة بمقدورها أن تهد الجبال، وتحطم قضبان الفولاذ، وتهشم عظم الحقيقة وينبري عنها كل ما هو مستنكر، وكل ما هو مستهجن، لأن التنشئة بدأت من عدم الاقتراب من ذلك «التابو» الذي يسمى «حب»، فالحب مرتبط بفكرة اقتحام الثوابت، وتشويهها، وتدميرها، وعصيان الفرد سواء كان ذكراً أو أنثى لأوامر القيم المستقاة من تاريخ النشوء والارتقاء، الأمر الذي يستدعي الرفض، وعدم التهاون مع هذه المشاعر - البغيضة -، قد يكون طرح مثل هذه الفكرة غريباً إلى حد ما، ولكن ما نشهده من وقائع على الأرض يشير بالبنان والبيان إلى أن هناك نفايات قديمة لا تزال تعلق بجدار الفكر، وحتى الفكر الحديث، والممارسات تدل على ذلك، فاليوم العالم يخترق الفضاء العالي بجدارة، وقوة، ويحقق اكتشافات هائلة، ولكنه للأسف لم يزل عاجزاً عن اختراق الذات والتي تشبه عظمة سلحفاة نافقة منذ أمد بعيد، ولا يزال الإنسان يعاني ثقل الواقع كما قال -ت.إس، إليوت- ولا تزال البشرية تحمل أوزار ماض سحيق، وتتأبط شر ذلك الماضي، ورغم قانون حقوق الإنسان الذي بزغ نجمه مع الثورة الفرنسية في عام 1789م، إلا أن الذات البشرية تجاوزت ذلك القانون، وانحرفت عنه، وشذت وطغت، وبغت، وصارت كلمة حب مجرد مضغة لبان ولا أكثر، لأن ما يغوص في الأعماق هو أشد وأنكأ، وهو أعظم شراسة، وأوسع إحاطة بهذه الكلمة التي أصبحت فريسة عقل باطن متمرس في استخدام الأساليب الدفاعية للهروب من مسؤولياته تجاه هذه العاطفة المقدسة وهي الحب. يستطيع العالم أن يزرع الملايين من باقات الورد، ويتباهى بجمالها وعطرها. ولكنه لا يستطيع أن يجعلها جزءاً من علاقته بالآخر، لأنه يعاني أساساً فقر الجمال الداخلي وعطر الورد.