يقول جبران خليل جبران «كونوا كتلك الأعمدة التي تحمل السقف، مستقلين ولكنكم جميعاً تحملون السقف الذي هو الحب».. كم هي هذه الجملة تحمل في طياتها، عذب الكلام وروح المعنى، وقوة الفكرة التي جاء بها الفيلسوف الشاعر العربي الكبير.
وهذا يعني كم نحن بحاجة إلى الحب، والذي بهامته نستطيع حمل مشاعرنا إلى ذلك النهر، نهر الحياة، حياتنا نحن أبناء الأرض، لنستطيع إدارة شؤونها بذكاء، وشفافية، نديرها كوننا محور هذا الكون، وقد قال لنا الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر «الإنسان راعي الكون»، لذلك عندما يختل عقل الإنسان ويصبح رهين الرغبات الحمراء، فإنه يتخلى عن دوره، ويصير في الكون مثل ترس في الآلة، تسيره، وتتحكم في مصيره، وينتهي في نهاية المطاف إلى زوال.
هذا ما حدث لكل الحضارات التي سادت ثم بادت، ويذكرنا ابن خلدون أن الحضارات ينطفئ وميضها، ويخفت بريقها، وتتوارى خلف حجب التخلف، والانهيار الثقافي، والاقتصادي عندما «تتوسع الإمبراطوريات فيضعف سيطرتها على الأجزاء البعيدة».
هذا يحدث في عالمنا، لأنه ما من قوة تصمد أمام اختفاء الحب، وبروز مخالب الجشع، فما بين الإنسان وهذه الآفة، آفة الجشع، علاقة تاريخية ممتدة منذ خلق الإنسان، فعندما يقع الإنسان فريسة الجشع، وعندما يتلاشى الحب، يصبح الإنسان مثل كائن يتعكز على بصر أعمى، وبصيرة غائمة، فماذا يمكن أن يحدث وهو ذاهب إلى بيته مثلاً، فلا بد أنه سيتعثر، ويقع في حفرة الضياع، والتهلكة.
فالحب مرآة صقيلة، يرى الإنسان من خلالها وجه الحقيقة، فلا تخدعه الصورة الخيالية الفجة، وكما حدث في القصة التاريخية لنرجس، والذي نظر إلى وجهه في البئر، فعشق ذاته، وظن أنه الأجمل في العالم.
هكذا هو الإنسان الذي يفقد فطرة الحب، أنه يضيع في شعاب الأنا المتغطرسة، ويضيع غيره أيضاً.
فنحن بحاجة إلى منسوب الحب العالي، لكي تستمر قواربنا في الإبحار بعيداً عن صخور الأنانية، نحن بحاجة إلى الحياة من دون اكفهرار الجباه، ومن دون احتقان الصدور، لأنه ما من كراهية، إلا ويتبعها حريق داخلي، يؤدي إلى حريق في بيوت الجيران، وهذه طبيعة الحياة، ولا يمكن أن ينجو حاقد، ولا ناقم من شرارة الحقد التي يوجهها إلى الغير، لأننا جميعاً نبحر على ظهر مركب واحد، ولو حاول الفرد منا حرق الجزء الذي يخص غيره، فلا مناص من أن يصله الحريق، وهذه هي القوانين الطبيعية، هذه جبلة الحياة.