قنوات فضائية، تنتشر كالغبار، في يوم عاصف، تنثر المانشيتات العريضة بمغريات فاضحة ممزوجة بتلاوات قرآنية. إعلانات عن علاج ترهل صدور النساء وشفاههن وأردافهن وعيونهن، مدعومة بصور ومشاهد لا يمكن أن تتلاءم مع صوت مقرئ يجهش ويجش في صوته الأخاذ. ولا أدري ما علاقة الطين بالطحين، وما علاقة القراءات القرآنية، بما يباح ويستباح من ضمير الإنسان. ومن يتأمل الصورة يجد التناقض والإسفاف والاستخفاف، واستدرار مشاعر الناس، واستدعاء لا شعور خفي، واستدراج غرائز البشر على صدى الصوت القرآني. هذا التناقض، وهذا اللهاث خلف كل ما يدر المال، جعل الكثيرين من أصحاب القنوات الفضائية يقعون فرائس للمدجلين والمشعوذين، وصُناع الخيال الفج، ومنتجي الأوهام، ومخلصي البشر من خلطة سحرية عشبية، تعيد الشباب لمن فقدت الشباب، وراحت أقدامها تترادف باتجاه الحفر العميقة. ثقافة الاستهلاك، أوصلت الأفكار إلى أوكار التيه والضياع، وأباحت المحظور وكشفت المستور، وفتحت أبواب الويل والثبور، ولم تعد هناك ضوابط ولا موانع ولا ثوابت ولا خطوط حمراء، توقف المتهورين عن بث إشعاعات الهلاك الأخلاقي.
عندما تصبح تلاوة القرآن، وسيلة وحيلة لكسب الزبائن، وعندما تصير التلاوة القرآنية غطاء لمآرب أخرى، كعصا يهش بها تجار الشعوذة على غنم أحلامهم وأوهامهم وأسقامهم، فإن ذلك يشير إلى أننا وصلنا إلى حافة الهاوية الأخلاقي.
دائماً الأمم الأخلاق، ولابد من قيم نروغ بها فيروسات العهن والوهن والوسن، لابد من صحوة للعقل المستبد، حتى نفهم كيف نحافظ على ما تبقى من أخلاق، بعد أن أشاحت الرؤوس بعيداً عن الثوابت، مستنفذة كل طاقاتها لأجل هدم الفكر والثقافة بمعاول متطرفة نازفة بالحقد والشوفينية، والباطنية والأنانية، آخذة بناصية اقتل لكي تذهب إلى الجنة.
حقيقة لم تظهر مثل هذه الأفكار السوداوية المقيتة، إلا كرد فعل على تسويف من أمضوا في التجاهل والتساهل، في التعاطي مع المشاعر الإنسانية. ولم تبرز من هذه الفقاعات المؤذية إلا لأسباب الضعف وتضعضع الفكر الإعلامي، الذي قاد الزمن العربي إلى مهاو وردى، فأفرز مثل هذه الأفكار الشاذة، وثقافة القتل المجاني والتعدي على حرية الإنسان وسيادة الأوطان.
وفضائيات اليوم أصبحت كالوديان الجارفة التي تجر مع الماء العذب، الحصى والطين والجيف والكائنات النافقة.


 Uae88999@gmail.com