لم تقل العرب ذاك القول اعتباطاً، فكثير من الحلول عندهم قد لا يكون آخرها الكي، وإنما القطع والبتر أو استباق الحالات مثل قولهم: «أوسمها قبل لا تضلع»، لا أدري من هو القائل، لأن المقولة طغت على القائل، رغم أنه نُسب مرة للشاعر العباسي «بشار بن بُرد»، لكنه منسوب لمن قبله أيضاً، وهو «أبو الدرداء الأنصاري»، والبعض يردها إلى «أبي الطفيل عامر بن وائلة»، وزاد عليها «ابن عدي» قوله: «لكل مقام مقال، ولكل زمان رجال»، و«المتنبي» فصّلها وشرحها متناً وهامشاً بقوله: 
ووَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا 
 مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى.
مرد الحديث أن بعض المذيعين التقليديين وكل المذيعين الرقميين، لا يعرفون التحكم في إيقاع أصواتهم، ولا يعرفون أين موضعهم من الإعراب، ولا معرفة المقام، وفن المقال، فلا يمكن أن نستمع لمذيع في برنامج صباحي وجماهيري، وهو هدّاد، وصوته عال، ومتوتر على أصغر القضايا، وكأنه أتى من منزله وهو يغلي مما حدث معه ومع الزوج المصون! مثلما لا نقبل آخر يتحدث في برنامج الصباح وهو متكاسل متثاقل، يتثاءب تخمة وعجزاً، وكأنه آت من وراء خاطره أو كأن المحطة تقبّضه بـ «التومان الإيراني!».
كذلك بعض المذيعين لا يفرقون بين برنامج اقتصادي يعتمد على أرقام وأحكام ورسوم بيانية، فيظهر على الناس، وكأنه خطيب الجمعة، موعظة وعبرة وإسهاباً لغوياً، وذكر مترادفات لكلمات لا صلة لها بلغة الحسابات والمصارف واقتصاديات الجدوى، وكنت قبل فترة استمع مستمتعاً لمقابلة فنان من الوزن الثقيل، فكراً ولغة وهدوء عمر الستين، ومجادلة مع ظروف الحياة، كان يتحدث مثل حكيم، ويزن الجمل، ولا يلقي الكلام على عواهنه، وصاحبنا المذيع يحاول أن يسحبه إلى جانبه نحو البساطة والضحك وشيء من التهريج، واستعراض الذات التي بقيت صامتة إزاء كلام الضيف الممتع والمدهش، بحيث غابت السذاجة والحس العالي الشعبي في حضور الضيف النخبوي، فبدا مثل طفل يتنطط ليقول لأهله: أنا.. هنا!
لا يمكن لمذيعة رأسمالها جمالها ومكياجها أن تجاري «أدونيس» و«درويش»، وحتى «نزار» صاحب القاموس الشعري الأنثوي، هناك مقاييس ورقي في التعاطي والطرح وغربلة الأفكار، بحيث يستحيل أن يطغى الشَعر على الشِعر، لدينا كم من المذيعين الذين لا يعرفون الجمهور المتوجهين له، فيخلطون الشرق بالغرب، ويحطبون في ليل أظلم، رغم أن الخطاب للموريتانيين بالتأكيد يختلف عن الخطاب الموجه للمصريين، والخطاب لأهل الخليج يختلف عن الخطاب الموجه للبنانيين، سواء في التعاطي اللغوي أو التحسس الثقافي المعرفي أو معرفة البنية الاجتماعية وتركيبتها عند الجمهور المستهدف، بالرغم من كوننا عرباً ونتحدث لغة واحدة، لكن للهجاتنا خصوصياتها، وإيقاعها التعبيري، وحساسية بعض المواضيع التي تتباين من مجتمع عربي لآخر.
يعني بالمختصر مذيع الربط، لا يصلح لنشرة أخبار التاسعة، ومن اعتادت على تقديم برامج الطبخ والأزياء وزيارة مطاعم البلدان التي تزورها، وتزوّر تقييمها، ليست في موضع أن نضعها محاورة سياسية، وإلا أصبح العجين مثل الطين!