ها قد غادرنا عام بكل أفراحه وأتراحه، رحل حاملاً أشياءنا وكلماتنا، ضحكاتنا، فرحنا، أحزاننا، وأشواقنا التي انتظرت كثيراً؛ ودعنا وذهب في الماضي، ليقبع في صفحات التاريخ بالحكم والعبر، بالأحزان والآلام، بالفرح والحب، والحقد والكره، والقسوة والظلم.. والأسرار. ودعنا واحتفلنا برحيله، كما احتفلنا بقدومه، حيث هي طبيعة البشر التواقة دائماً إلى معرفة المستقبل، وكذلك الحريصة أن تعبر الأيام والسنين بسلام وأمان ونجاح، وحيث تشكل الأعوام جدول العمر والحياة، روزنامة الأحداث وتفاصيل الأمم، بنجاحها وفشلها، بقيام الحضارات واندثارها، بولادة الحكيم وموته، باستعار الشر وانطفائه، بانتشار الحب وتجليه ناصعاً في الزمن. يسلم العام الماضي أعمارنا وحياتنا للعام الذي يليه، ونواصل فيه سلسلة الأحداث القديمة، كما نكتب أحداثاً جديدة؛ يُغير الأشخاص الجميلون في سلوكهم السلبي، ويحلمون دائماً بالأجمل، يصرون على أن يتقدموا في مشروع جمالهم الداخلي، على تنامي الشعور بآدميتهم، على نصاعة حضورهم وغيابهم، نقاء حروفهم وكلماتهم، صفاء نظرتهم، وارتفاع وتيرة إحساسهم بجمال الطبيعة والأشياء من حولهم، على أن تستمر قلوبهم تعزف وتر الحب، وعقولهم تتجلى بالتأمل الفتان.. فالنجاح عندهم يكمن أولاً في نجاح أراوحهم في التسامي ونفوسهم في الطيبة، ونظافة عقولهم من الشر، وقدرة قلوبهم على الحب.. هكذا يمضون وتمضي الحياة بهم إلى طموحاتهم وآمالهم، يفرحون ويرقصون ويحمدون حين يرونها تتجلى أمام عيونهم. يشكل مرور عام من الزمن وقفة مهمة في حياتنا، نحتاجها دائماً كي نمعن ونفكر كثيراً، إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا صنعنا؟ وماذا نحن صانعون؟ كيف نعاود التحديق في الحياة التي من المهم أن نعيشها بكل أشكالها الجميلة؟ وألا ننصت لتلك الأصوات الكئيبة التي لا ترى الحياة سوى هم وغم وشقاء، وأنها فانية لا محالة، ولا شيء مجدياً فيها.. ألا نلتفت إلى تلك الأصوات، ونصر على الحياة، وأن نعيش فيها هذا العمر الفاني بأجسادنا الفانية التي لا مفر من ما تكتنزه من مشاعر ورغبات، وتفكير وحركة، إلا أن نعيشها حتى آخر يوم من أعمارنا، نعيشها برضا يتصاعد إلى السماء، وينتشر كالهواء في الأشجار والبحار والجبال والوديان، وشعر فاتنة تعدو على سيف البحر. احتفل العالم بمغادرة عام 2012، وقدوم عام 2013، عام مضى، وعام أقبل، عام حمل الكثير من الوجع والحزن والموت والدم والخسارات.. وفي الوقت نفسه حمل الكثير من الفرح والسعادة والحب والنجاح للكثيرين، حيث هي الحياة ضدان؛ نحاول أن نقضي على المؤلم منها، وأن نتشبث بالمفرح فيها، فسليقة الإنسان هي البحث عن السعادة، والذود عنها، كي تبقى دائماً قربه، يحدث أحياناً للكثيرين من البشر ذلك، وهيهات أن يحدث أيضاً للكثيرين من البشر ذلك.. وها هو عام 2013 قد أقبل، وفيه نصلي كثيراً لضحايا الحروب والكوارث، للمحرومين والمظلومين، للمشردين والمقهورين، نصلي لهم، نمد لهم اليد، ونتمنى من كل قلوبنا أن تتغير أحوالهم إلى الأفضل.. أقبل العام الجديد، ولن نتوقف عن الاحتفال والفرح كلما جاءت مناسبة، وعلى الرغم من كل وجع الأرض سوف نتحالف مع الفرح، ولن نسمح للقتلة والمجرمين والظالمين والمتجبرين أن يصادروا جمالنا وفرحنا. saad.alhabshi@admedia.ae