يصف الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، ملامح المدينة المتسامحة بأنها متنوعة، ومشتركة بين الثقافات والأعراق، وآمنة للمضطهدين والمهمشين، وطالب في كلمته في «القمة العالمية للحكومات» بـ«فرض قيمة التسامح عبر تنفيذ القوانين، التي تعاقب على أفعال، تنطوي على التعصب والإقصاء».
ملامح «المدينة المتسامحة»، التي رسم ملامحها الشيخ نهيان بن مبارك، تصلح أن تتحول إلى مؤشر إماراتي، بمعايير عالمية، تقيس مدى رسوخ التسامح في المدن، ومظاهره، ومستوى قبول الاختلاف، وشيوع المبادرات الاجتماعية المشتركة، إضافة إلى انتشار دور العبادة لمختلف الأديان والمعتقدات، وكذلك، توافر الأنظمة التعليمية، والأطر التشريعية التي تحارب التمييز والتعصب والكراهية، وذلك على غرار المؤشرات الدولية التي تصنف أمان المدن وذكاءها وتنافسيتها السياحية، وصداقتها للنساء والأطفال وأصحاب الهمم، وغير ذلك.
وزارة التسامح في الإمارات، تجربة غير مسبوقة عالمياً، ابتكرتها الإمارات العام 2016 إطاراً مؤسسياً، وضعت قواعده النظرية، وأنشأت له منظومة متكاملة من القوانين والسياسات والمبادرات والبرامج الداعمة والمعززة لثقافة التسامح، في دولة صاغت «وثيقة الأخوة الإنسانية»، وجمعت في لقاء تاريخي بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر، وتعتزم تعظيم القواسم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين واليهود في «بيت العائلة الإبراهيمية».
الوزارة، بهذا الطرح، هي الأكثر تأهلاً وكفاءة، لتبني «مؤشر المدينة المتسامحة»، وإطلاقه وفي محاضرة الشيخ نهيان تصور دقيق للمشروع، ففي هذه المدينة «إجراءات لتعزيز التنوع والشمولية، وتعزيز للأنشطة والمبادرات المشتركة التي تجمع بين الثقافات المتنوعة، كالمهرجانات، والأماكن العامة، والحدائق»، وأيضاً «تمكين ضحايا الاضطهاد والتهميش، بسبب معتقداتهم الدينية أو انتماءاتهم العرقية، أو حالتهم الاقتصادية».
المؤشر، بما هو ابتكار إماراتي أيضاً، سيشجع الدول التي شهدت حروباً وصراعات دينية، مذهبية أو طائفية، على تشكيل بنية معرفية وثقافية مضادة للتعصب ومنطلقاته التقليدية كافة، وكذلك على إعادة تعريف المصلحة، على قواعد الانتماء الوطني، واحترام الاختلاف، انطلاقاً من أن «التسامح يعزز من الحوكمة الرشيدة، ويجعل المجتمعات ذات طبيعة أخلاقية، ويزيد من التعاطف مع الآخرين»، كما يقول وزير التسامح.
وفي إطلاق «مؤشر المدينة المتسامحة» من الإمارات، نكون قد استنبطنا معظم المعايير من النماذج المتجسدة في بلادنا، فالمدينة هنا، بوصفها رمزاً لأي دولة في العالم، وتعبيراً عن كيانها السياسي والاجتماعي والثقافي، مطالبة بتحقيق شروط معيارية معينة، حتى تحتل موقعها المناسب على المؤشر، قرباً من التسامح، أو ابتعاداً عنه.
المدينة الإماراتية، بهذا المعنى، متنوعة عِرقياً وقومياً ودينياً وثقافياً، وتعمل جميع تشكيلاتها الاجتماعية على تأكيد قيمة التنوع، وهذا يشكل مناعة قوية ضد التعصب والتطرف والتشدد، وسائر الأفكار التي تجنح بالمجتمعات بعيداً عن مصالحها، وتسمم حاضرها ومستقبلها.