معارضون ملونون بألوان ربطات العنق التي تسور رقابهم، يتشكلون كما تتشكل فصول السنة، يتأملون الواقع ملياً، ثم يتخذون قرار الجهة الايديولوجية التي يريدون أن يسيروا نحوها، ولأن جِمال بعض الأنظمة العربية خارت وأرخت الستار على عصور العز والأنفة، فإن المعارضين وجدوا فرصتهم في القفز والاحتيال على مشاعر البسطاء، ليأخذوا من الكعكة نصيباً، وليحصلوا ما لم يكونوا يحلمون بالحصول عليه.. فالآن الكل صار معارضاً شريفاً أبياً، مناضلاً مقاوماً، والكل وجد نفسه مكان جيفارا، حتى الذين ذهبوا إلى أوروبا بحثاً عن شهرة أو سهرة نسائية تعيد لهم ترتيب مشاعرهم المبعثرة، ولم لا؟ فالتربة خصبة جداً، وكما تفعل بعض الدول المجاورة لثوراتنا، فإنها قسَّمت المبادئ إلى نصفين، نصف للمصالح، والنصف الآخر لكسب ود الشعوب العربية، التي قد تكون وجدت ضالتها في هذه الكذبة الكبرى، التي تسمى دولاً تعارض دولاً.. الأمر الذي أفسح المجال لما يسمى معارضة بأن تتحزم بالطبول، وتربط بطونها لتعزف لحن “الهِشِّك بشِّك” ثم تمضي مسرعة متوجهة نحو مشاعر الناس، والذين بالفعل طحنتهم محن رغيف الخبز، ولقمة العيش، وضياع المستقبل، وتيه الهوية، في بلدان لم تعرف كيف تخرج من مأزق، أنا ومن بعدي الطوفان.. ولكن إذا كان هنا خلل في النظام السياسي، والاقتصادي في بعض الدول، فإننا لا نتصور أن الذين جاؤوا ليمزقوا صورة هذا الرئيس أو ذاك، يمكن أن يصلحوا الأحوال السياسية والاقتصادية.. فالإصلاح لا يأتي بتدمير الثوابت، ولا يأتي من ركام احتقانات شخصية، تشحنها معارضات لا تقبل إلا أن تكون هي دون غيرها في سدة الحكم.. ويجب أن تعترف هذه المعارضات أن ليس لديها في بلدانها نيلسون مانديلا، وحتى سوار الذهب، فالآن “الكل يسحب النار صوب قرصه” وهذه مأساة شعوبنا، أنها ترفض الشيء عندما يكون عند غيرها، وتقبله لنفسها، فالمشاعر متناقصة، والعقول مشوشة، والرؤى ضبابية، ولا ينسحق بين كل هذه المتناقضات إلا شعوب متفائلة بالخير ولن تجده، وأوطان تذهب قدراتها الهائلة في فضاءات مغبرة، معفرة بغبار حروب داحس والغبراء.. قد يكون هذا الكلام قاسياً، ومُراً على بعض الحلوق، لكننا يجب أن نعترف بالحقيقة، بأن الأنا العربية متورمة إلى حد التقيح، والقيح لا يفرز إلا غثاً، أما إذا أردنا أن نتماهى مع ما حدث في أوروبا، فعلينا أن نقرأ التاريخ جيداً، فالذين أسسوا مستقبل تلك الدول، هم فلاسفة ومفكرون، اجتهدوا وجاهدوا، وبحثوا ليخرجوا بنظريات تنفي بعضها البعض، حتى الاستقرار على ما لامس شغاف الحقيقة العلمية، فبدءاً من ديكارت وشكه المرير إلى روسو وحريته الوردية إلى نيتشه إلى هابوجر.. فإن معارضاتنا كلها من هؤلاء العظماء.. إننا لم نسمع سوى الصياح والنواح، ما ينكأ في نفوسنا الجراح، ويجعلنا لا نثق بهؤلاء لأن “المكتوب يبين من عنوانه”، ونعتقد أن ما حصل في الصومال قد يحصل في أي بلد تتصدر فيها الأنانية كل الأولويات.. والله المستعان..


marafea@emi.ae