هذه المشاعر تأخذك إلى منطقة فيها تعشش مخالب الكبرياء، وسطوة الأب الذي يجب أن يملك الأرض وما عليها. كلما كبر هذا الإحساس فيك، كلما اتسعت الفجوة بينك والصغار، كلما ازداد الشحن العاطفي احتقاناً، ورهان من يسطو على إرادة من؟ ومن يقضم من حق الآخر، لتتسع رقعة مملكته، ويصبح هو مليك مقتدر.
عندما تستولي على مشاعرك مثل هذه الصور الخرافية، تضيع أنت، ويضيع الأبناء، وتصبحان في غربة الواقع طيوراً، فقدت بوصلة الوصول إلى النهر.
عندما تتمسك أنت بحق ليس من له في الواقع ما يبرره، يداهمك خوف الفناء، وتباغتك صور شائهة، مشوبة بخيال أشبه بخرافة بابا درياه، وما حولها، وفيها من قصص أرخت لواقع الخوف في الضمير الاجتماعي، فأنت في هذه الدائرة المغلقة، تدور مثل حشرة محبوسة في قنينة محكمة الإغلاق.
أنت في هذه الأفكار، تريد أن تدير عجلة الزمن إلى الوراء، وتختبئ أنت خلفه مثل لص يتربص بالضحية، تريد من الضحية أن يتخلى عن كل ممتلكاته ويتبعك إلى مكان ما لا يوجد فيه بشر، ولا حجر، ثم تهرب أنت ظافراً بما ليس لك.
هكذا تكون أنت عندما تريد من الزمن أن يوقف عقاربه وأن يخلع ملابسه، ويصمد أمامك عارياً، وضعيفاً وخانعاً، وخاضعاً.
أنت تريد العالم أن يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب، ويلبس كما تلبس، وإلا احمرت وجنتاك ذهولاً لما يحدث في الواقع، لأنك تتجاهل السرعة الفائقة التي قطع بها قطار الزمن، كي يصل إلى محطة لم تدر في حسبانك، ولن تدور، لأنك قادم من محطة أخرى، امتلأت بالغبار، وتراكمت عليها الرمة.
إذن أنت في الرميم، وصغارك في قلب السديم العصري الذي ترافق مع وجود الرسوم المتحركة، والتي فيها الزمن يقفز قفزات سيريالية عجيبة لا تخطر على بال بشر، لو استمر البشر، يفكرون كما تفكر أنت وكما تتوقع أنت من أن يظل العالم في كهف الحركة الجامدة.
التحليق بالفكرة، مثل ركوب الطائرة، فعندما ترفض إطلاق الفكرة، فأنت كمن يرفض ركوب الطائرة. فتخيل كيف سيكون وضع العالم لو فقط تحاشوا استعمال الطائرات في حلهم وترحالهم؟! لو بقي العالم يمخر عباب المحيطات عبر قارب خشبي، لما ربط أضلاع القارات، بحبل وصل واحد.
عندما تكون في الماضي، فأنت تعبر المحيط بقارب بدائي، وعندما تكون في الحاضر، فأنت تمتطي صهوة البرق، وتغادر مكانك، لتصل إلى المكان الآخر، مثلما يحلم النائم في تحقيق أهدافه.