الصرخة التي أطلقها أحد مديري المتحف العراقي السابقين حول غزو الآثار (منير يوسف ـ مجلة الدوحة/ يناير 2009) تعيد سؤال نهب ماضي الشعوب بعد سلب استقلالها وحريتها وتغييب هويتها التي تمثل الآثار شواهد حضارية على عمقها وشواخص حية على أصالتها· ثمة إشارات كثيرة إلى أنواع من النهب والتفريط بذلك الكنز الإنساني الذي لا يقدر بثمن مدفونا تحت القشرة الأرضية أو معروضا في فضاء القاعات التي يسهل نهب محتوياتها لا سيما في الهيجانات والتداعيات التي تجلبها الحروب أو بما تسقطه السماء من حمم وموت وما تتركه من فرص للّصوص والمتاجرين بالموروث الإنساني، وأولئك الذين تحركهم نوازع شوفينية أو دوافع إثنية أو اعتقادية متعصبة لحيازة تلك الثروات الإنسانية التي أصبحت رواسم للمنجز الحضاري الرافديني وتجاوزت عائديتها بلاد ما بين النهرين لتغدو منجزات فنية وحضارية عامة رغم خصوصيتها المحلية أو البيئية· تتحدث تلك المقالة عن أنواع من الاعتداء على الآثار جاءت بسبب الاحتلال أو كمظهر للفوضى التي سمح بها وجوده عقب الاجتياح مباشرة ما أدى إلى ازدهار المتاجرة بالآثار العراقية والتجاوز المباشر على المواقع الأثرية (15 ألف قطعة تتعرض للنهب والتشويه والتخريب) وإذا كان المنقبون والحفارون من أوائل مستكشفي الآثار قد سرقوا علانية أندر القطع والمنحوتات والشواخص (كبوابة عشتار في مدينة بابل مثلا) وحملوها إلى بلدانهم، فإن أنواعا من اللصوص الجهلة تناسلوا الآن وتكاثروا ليغرقوا الأسواق والمتاحف بتلك القطع النادرة التي لم يقدروا قيمتها الأثرية وعرّضوها للكسر والتخريب والتشويه· كان نهب الماضي يتم بطرق مكشوفة كما فعل مؤسسو الدولة العبرية من سدنة الفكرة الصهيوينة فزوروا ماضي بابل وأور بطرق مكشوفة وصار الشيكل مثلا عملة دولتهم وهو في الأصل الذي يعرفه المهتمون وحدة وزنية استخدمت في سومر في الألف الثالث قبل الميلاد، وورد ذكرها في الملاحم القديمة، وكذلك شعارهم المأخوذ من الكأس الفوارة التي وجدت في العراق القديم حين كان الظن أن دجلة والفرات ينبعان من مكان واحد ويفيضان على جوانب الكأس التي ترمز للبلاد لعدم توفر الصور الجوية التي تتيح متابعة مجرى النهرين ونهاية رحلتهما متعانقين على أرض العراق والتقائهما الحميم في القرنة· من المؤلم أن كثيرا من تلك القطع الأثرية المنهوبة لم توثق بأرقام وتعريفات وبعضها تم خزنه بطرق غير أمينة ما أتاح فرص النهب والتخريب معا· لقد غدت حماية التراث المنهوب والماضي المسلوب مهمة عالمية يجب أن تتآزر لإنجازها الهيئات المختلفة رسمية ومدنية وأممية فمن الإجحاف بحق المنجز الإنساني أن تضيع اللّقى والرُّقم والقطع المنحوتة والفخاريات والعاجيات النادرة مباحة في أسواق التجارة التي يمثل وجودها اعتداء على البشرية كلها وماضي الإنسان الذي لم يكتف المحتلون بسلب حاضره ومصادرة مستقبله