ما يجري في الصومال فعل من أفعال العبث البشري، وشيء من أشياء يندى لها الجبين، فعندما تسمع عن حروب بشرية ينفق من أجلها المليارات من الدولارات تحت ذرائع وحجج لا تقنع كل ذي عقل وبصيرة تشعر بالأسى من عالم حول قارة تعد سلة غذاء إنسانية إلى تضاريس جرداء لا تبرز منها غير ضروس أولئك الذين أنهكهم الجوع وأسغب عيونهم التعب، وجلسوا في الصحراء العارية حفاة عراة إلا من أمل مفقود، وحظ مسدود، وجسد مكدود، وتطالعهم عيون الآخرين بغطرسة تمزق القلوب ولا تفتح نافذة لحياة أهون حالاً وأسهل معيشة. الإنسان الصومالي الذي عانى الديكتاتور سياد بري وتطلع إلى حكم يشرع له أبواب الحرية يأسف الآن لهذا الخسف ويندم لهذا النسف والعسف الذي مورس ضده من قبل عصابات ادعت أنها تمسك بعصا موسى، فإذا بها تقدم للجياع أفاعي سحرة فرعون. ولكن طالما العالم لاهياً بأغراضه، فمن سيقطع أرجل هؤلاء وأيديهم من خلاف ويجعلهم عبرة لمن يعتبر ويريح هذا الشعب ويعيده إلى نصابه وصوابه ليستطيع أن يعيش كما تعيش البشر، ويستفيد من مقدرات بلاده والتي هي وفيرة لو سخرت واستثمرت بشكل إنساني، فلا يكفي أبداً من الدول الكبرى والمنظمات الإنسانية أن تقدم الخيام والطعام، بل إن ما يحتاجه هذا الشعب النبيل هو إخراجه من ظلم وظلمة العصابات العشوائية والعبثية والتي حولت الصومال إلى “كراج” لا تؤمه إلا الكائنات الخربة، حولوا الصومال إلى مملكة للرعب والعطش، وتحولت الحرية المبتغاة إلى سجن كبير تحيطه بنادق القراصنة والمتعطشين للمال والدماء. الصومال اليوم يحتاج إلى وقفة عالمية بريئة من الأغراض والأمراض لإنقاذه من وهدة القسوة التي ألمت به، وتخرجه من عتمة الليل الذي هاجمه ذات غفلة من الناس أجمعين وعلى أيدي أشباه بشر ظنوا أنهم يملكون صكوك الغفران، فاعتنقوا تمزيق الأوصال خير وسيلة لإحكام قبضتهم على هذه البلاد، والعالم لم يزل يتفرج ويهرج ويصدر تصريحات الإدانة التي لا تسمن معتلاً ولا تشبع جائعاً، ولا ترفع ظلماً ولا تقضي على الكارثة التي حلت بهذا الشعب وجعلته شعباً متوسلاً بعد أن كان منتجاً لغذائه، بل ومصدراً له.
وضع الصومال المأساوي يحتاج إلى ضمير إنساني متحرر من المصالح، ضمير يهب هبة الانتماء إلى هذا الجنس البشري أياً كان نوعه وأصله وفصله ومكانه وزمانه، ولو أنفقت الدول المحاربة دوماً جزءاً يسيراً مما تبذره للحروب لانعتق الصومال، وغير الصومال من كوارث الغبن، والسهر على آلام الجوع والظمأ.
والآن انتهى شهر رمضان ولم تنته فضائله، والشعوب الإسلامية معنية أكثر من غيرها بشأن الصومال، ونقول الحسنات يذهبن السيئات، ولا بد من أن نغسل التاريخ بوقفة شريفة مع هذا الشعب.


marafea@emi.ae