ذكر الكاتب المصري ناصر عراق، في ندوة علمية حملت عنوان “العالمية وحوار الذاتيات في الفن”، وعقدت في الدورة الخامسة من بينالي الشارقة الدولي للفنون، “أذكر أن أحد نقاد مصر التشكيليين أعلن في إحدى الندوات عام 1997 م بحماس: أن لوحة الحامل.. ماتت! ومن ثم علينا الاقتداء بجاكسون بولوك!” ويضيف “لقد بدأ بولوك حياته رساماً واقعياً، لكنه سرعان ما تحول إلى التجديد، ثم راح منذ عام 1944م يبتكر أسلوباً خاصاً به، يعتمد على وضع اللوحة –القماش المعد للرسم– على الأرض وليس حامل الرسم!. بعد ذلك يدور حولها بحركات لا تخلو من عصبية ممسكاً بجردل الألوان. ومن دون أي نظام أو خطة سابقة، يشرع بولوك، في سكب الألوان على اللوحة، معتبراً أن ذلك هو فن تصوير اللاوعي! وبالتالي تستسلم اللوحة لغاية الألوان التي تنهمر بعفوية وفوضى فوق سطحها من دون أن يعنيه أن يتخلق منها أي شكل محدد!”. ??? إن إعلان موت اللوحة، ليس صحيحاً، بل إن الناقد وبولوك، في حالة ضغط نفسي، ناتج عن رفض الآخر للوحة، فهناك الآلات الحادة التي تنجب للمجتمع مئة نسخة أصلية للمنتج، لكن الواقع مختلف أحياناً، تستطيع اللوحة أن تعكس الرسالة، التي يرمي بها الفنان في وجه الآخر، وتجبر الآخر على القبول بها، بل قد تذهل المشاهد، وتكشف له ذاته وانتمائه، أحياناً تجبرنا الظروف على عدم استخدام الحامل، ففي عام 1991م، عندما شاركت في مسابقة التشكيل على مستوى دولة الإمارات التي نظمتها وزارة التربية والتعليم، تحت إشراف الدكتورة نجاة مكي، لم أكن أستخدم الحامل، بل ورقة بيضاء مقواة وضعتها على سطح الطاولة، وقمت باستخدام الجزء الخلفي من الفرشاة، بعد أن تم نحته ببراية القلم، ورسمت أوجهاً مختلفة، ثم عرضت على المسابقة وفزت بالمركز الثاني، القصد هنا أن الحامل يمكننا من تحقيق الأبعاد الصحيحة للوحة، فإن كانت اللوحة لا تحتاج للحامل فليس بالضروري استخدام الحامل، هذا لا يعني أني استغني عن الحامل، بل أحدد البعد المناسب لبناء اللوحة، ومن ثم اختار الحامل أو سطح الطاولة، أو حتى سطح الأرض. قد يكون بولوك استغنى عن الحامل، ولكنه لم يستغن عن القماش، وهذا دليل على أنه يريد الصراخ بصوت تلاطم الألوان، فهو يرفض فكرة رفض الحامل، وعندما جبره الآخر على التخلي عن الحامل، عاش لحظة الصرع مع القماش، فهو يطلب المساعدة وليس التقليد. الحامل أداة مساعدة للفنان، ولكن القماش هو الأداة الرئيسية التي تخيط بصيرة المشاهد، وتحقق معجزة الفن، فإن ماتت لوحة الحامل، فإن لوحة القماش، مازالت تناضل، ظلت لوحة القماش الملجأ الذي يضم إبداعات الفنان العربي، وإن ولدت لنا الآلة الحادة أدوات منافسة، من ورق، وصور مطبوعة، وصور متحركة. ومن ذلك أقصد أن المعاصرة لم تبد لوحة القماش، ولكنها أضافت خيارات أخرى يستخدمها الفنان لتحقيق الاستقرار الداخلي للذات، والاستقرار الخارجي للمجتمع. science_97@yahoo.com