هؤلاء الذين إن شاهدوك بنعمة تمنّوا زوالها أو خرابها، تعبيراً عن نقص ما في شخصياتهم، وأنانية ما في نفوسهم، وحقد ما في قلوبهم، فهم يرون أنفسهم أكثر استحقاقاً، وأجلّ تقديراً، وأجمل حضوراً، ويتساءلون كجنيّة تهرش نفسها عن سرّ انتشار ذلك وتألّق هذا، عن سبب النعيم في حياة فلان والخير في يد فلان، ولا يستريحون إلا حين تصيب أعينهم المريضة هدفها، فيأتون مواسين متضامنين، وفي دواخلهم يقطر زيت أسود. الحسد إنكار واستنكار غير مبنيّ إلا على فراغ الداخل، هي النفوس حين تمرض تعتل، وأصحابها أكثر تعرّضاً للمرض والهرم والوقوع في إشكاليات، لأنهم غير مركّزين إلا على الآخر في تجلياته، ولا يرون منه سوى الشك، فإن قرأوا له شيئاً يشكّون في مصدره، وإن اطلعوا على إبداعه سيبحثون عن محرّضه، وأصحاب هذه الأرواح لا يرون الجمال في شيء، ودائما ينبشون بسيَر الآخرين كحفاري القبور. والنعمة ليست طعاماً أو شراباً أو رداء أو مالاً فقط، إنما الموهبة نعمة، الكتابة وحلاوة الصوت والرسم والتمثيل والأداء في العمل وغيرها، ولكن هناك من يكمن كلص، يترصّد نتاج الآخرين، فترى نفسه المريضة غير ما هو موجود، كأن يعتقد أنك سارق أدبي على سبيل المثال، أو مقلّد، وحين يوهم نفسه أنه حصل على ضالته، ينطلق بلؤم ومكر، حتى إذا ظهرت له الحقيقة ارتدّ بلؤم أكثر، والتزم الصمت إلى حين ثغرة أخرى. الساحات الأدبية والإبداعية مليئة بهؤلاء، الذين يعتقدون أنهم الأجدر والأكثر ثقافة والأهم نتاجاً، وأي شخص يمر من أمامهم بخيلاء مبدع، يتحول إلى مدّع ومزيّف، يصادرونه دون الاطلاع على نتاجاته، هؤلاء “كالغواني يغرّهن الثناء”، يطربون للمديح، ويسألون “المداح” ليقارن بينهم وبين الآخرين، فطربهم ينبع من إحساسهم بالتفوق على الآخرين، وسحب مادة ما من طريقهم، هؤلاء، يتمنون لو أن طرق الآخرين فارغة، ودروبها قاحلة جرداء، لا حياة فيها ولا ماء، كي يكونوا وحدهم في المشهد، وحدهم يبتسمون. أتساءل كثيراً، كيف لأصحاب النفوس السوداء أن يكتبوا أو يرسموا أو يبدعوا، أنا على ثقة تامة أنهم لن يستمروا، لأنهم يتكئون على المُنْجز، وأحيانا يعتمدون في انتشارهم على مشاكسة المقدس، ويحاكونه بلؤم ومكر شديدين، تاركين لأنفسهم مساحة للتأويل، ومنفذاً للخروج، هؤلاء يصطنعون الحالة الإبداعية كما كان يفعل عدد من السرياليين، حين كانوا يتعاطون المخدرات ليصلوا إلى “مرتبة أعلى من الوهم والدهشة وتحقيق صدمة للقارئ”، مع شديد إعجابي بكثير من المبدعين السرياليين. هؤلاء هم القوم الحسّدْ، يحسدون حتى الفقير على فقره، والغريب على غربته، والميت على جنازته، والفارس على خطوته، هم يمتلكون العين العكرة ذاتها، التي تأخذ الخياّل من خيلائه، والصبية من وجهها، والطفل من ضحكته، والشاعر من قصيدته، هؤلاء هم القوم الذين يتقلبون وفق مصالحهم ونزواتهم، شفاهم الله. akhattib@yahoo.com