هناك بلدان تسوّق الأحلام فيها، مستقطبة كل الطامحين والمغامرين والحالمين، ولعل أمريكا هي صاحبة الحلم الأكبر، منذ عروق ذهب «الدورادو»، ومنذ فتحت أمريكا لكل الغرباء، ليتمكن كل شخص بحسب مقدرته وموهبته وحتى بحسب مطاوعة نفسه للخروج عن القانون من أجل تحقيق آماله في تلك الأرض البكر، وجاءوها من كل بقاع العالم ليصنع كل واحد منهم «أمريكته» المتخيلة، ولعل السينما كانت واحدة من وسائل الترويج عن هذه الأحلام المشروعة وغير المشروعة، حتى أطلق عليها «علبة الأحلام». في أمريكا تحققت أحلام، وتحطمت أحلام، ودفنت أحلام، كان بإمكان أي شخص من مهاجر عربي أو متسلل مكسيكي أو مستعمر إيرلندي أو مستعبد أفريقي أو بحار إيطالي، أن يصبو بحلمه الشخصي، وربما تعداه في تحديه للواقع، وفرض مغامرته، والوصول بها إلى آخر مدى، لكن بقي حلم جماعي يختلف عن الأحلام الشخصية، وهو أن يخلقوا بلداً متقدماً، ومتطوراً في القانون من أجل أن يستوعب كل هذه التركيبة السكانية، وقد نجت الأحلام الشخصية أكثرها، بالرغم من ضريبتها العالية، وهي ضريبة ثقافية واجتماعية، قبل الضريبة المالية، مثلما نجح الحلم الجماعي، صانعاً مكوناً ثقافياً مختلفاً وبديلاً، بدأت أمريكا نفسها تصدره للعالم الذي تخلى عن الاستعمار العسكري، طارحاً بديلاً آخر من الاستعمار الاقتصادي والثقافي. ليست كل البلدان مثل أمريكا «أرض الأحلام»، هناك بلدان تقبل بمغامرين مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا وبعض بلدان أفريقيا، لكنْ لهذه المغامرات أو الأحلام ثمن باهظ، يكفي أن تحمل روحك على راحتك، وتلقي بها في مهاوي الردى، وتحرق كل سفن الرحيل، حيث اللاعودة إلى نقطة البداية من جديد، فمسألة الذوبان والاندماج الكلي في المجتمعات المُهَاجر إليها، مسألة على المحك، حين التعاطي في قضية المواطنة والولاء واللغة، وبالتالي الهوية الوطنية. وشكلت دول الخليج في بداية نهضتها، وأثناء تنميتها مصدر جذب واستقطاب لأحلام الكثيرين، وآمالهم، أحلام كانت فقيرة، تمثلت عن الطامحين بالحصول على عمل، وتأسيس أسرة، والرجوع بعد سنوات لقراهم البعيدة أو مدنهم الصغيرة، وأحلام ثراء، لأفراد أو لعائلات أكانت تريد أن تزيد سطوتها المالية، وتأثيرها السياسي في بلدانها، وأحلام مغامرات عابرة، حظوظها من النجاح ليست دائماً مؤكدة، وإن تعدت وتفوقت عدت من الأساطير، وتحقيق المعجزات، مثل شخص أتى هنا بمائة دولار، وأصبح يملك مليار دولار، كقصص تتحدث عن العصامية، وبناء الذات المستقلة. ثمة أحلام نهرب بها حين نتحدث عن المنافي الاختيارية أو الجبرية، ثمة أحلام نهرب منها لأنها ستدفننا قبل أن ندفنها، ثمة أحلام تموت على قارعة الطريق وقبل أن توصلنا الأقدام العارية بها.. إليها، وثمة أحلام لا تموت!