نحاول أن نفهم ماذا يقصد أصحاب مسلسل “شعبية الكرتون”؟، هل هو استخفاف باللغة العربية التي تعبر عن الهوية الوطنية لدولة اسمها الإمارات العربية المتحدة، أم هو إسفاف فني بعدما جفت منابع الإبداع وصار الفن مجرد ملء حياة الناس ما بعد الفراغ..
عرض مثل هذا المسلسل على شاشة تلفزيونية يصل بثها إلى جميع أصقاع العالم، يعبر عن أزمة فكرية ومحنة ثقافية يعاني منها أصحاب هذا المسلسل، وهو أيضاً رسالة مقلوبة الهرم، القصد منها قلب المفاهيم وتسطير تاريخ فني مصاب بخلل إبداعي مريع .. العالم أجمع يضع اللغة الأم موضع الرمش من العين، لأنها الوعاء الذي يحمل القيم والمعاني والمبادئ إلى الآخر، أما ما يجري في هذا المسلسل، فهو صرخة مدوية ومزلزلة ومجلجلة تصم الآذان وترجف القلوب وتسد الدروب أمام أي تفكير في الحفاظ على الهوية الوطنية، والتي تعمل مؤسسات كبيرة في الدولة من أجل ترسيخ مثلها، وتثبيت مبادئها لأنها الركيزة التي تبنى عليها مشاعر الإنسان الإماراتي، وينمو على تربتها وجدانه..
في شهر رمضان الذي يرفع فيه الأذان بلغة القرآن والآيات الكريمة تسمع على كل لسان، تجد في الطرف الآخر صوتاً نشازاً يمضغ “لغة” تضيع منها العبارة، وتتوه المعاني في مشارب لهجة بالغة العدوانية وكأنها المخالب الحادة تنغرس في جسد لغتنا العربية لتضرب بنيان الهوية الوطنية الصميم .. وبإمكان المتفكهين أن يبدعوا وأن يخترعوا فناً جديداً من دون أن يمسوا لغتنا العربية بسوء ومن دون أن يخدشوا وجه الهوية الوطنية بمخارج ألفاظ فظّة غليظة تسقم ولا تفهم، تحطم ولا تفطم، تسيء ولا تفيد الفن بشيء.
فالإضحاك من أجل الإضحاك، فكرة عدمية عبثية لا معنى لها غير السخرية من الإنسان ومشاعره وقيمه الثقافية .. الإضحاك من أجل الإضحاك، خطوة نحو الوراء، تقود الثقافة إلى التسطيح والسذاجة وبلاهة العقل .. الأعمال العظيمة هي الأعمال التي تزهر في الوجدان وتزخرف الروح بمعاني الحياة الجميلة، أما الأعمال التي تمضي في الاستهزاء بأحاسيس الناس، فهي أعمال ليس الغرض منها سوى إثارة الفقاعات على سطح البحار الثقافية، وهذا ما نخشاه وهذا ما لا نرضاه، وهذا ما يجعلنا نشعر وكأن قوى خفية تعمل لتفكيك الإرث اللغوي وتفتيته، وشرذمته، وقد يكون بوعي أم عدمه فالنتيجة واحدة؛ لأن الخراب يأتي من طرف المعادلة القصدية أم غيرها.. وإذا أردنا أن نتحدث عن الهوية الوطنية، فمن الواجب أن نضع المفاهيم العلمية التي تحفظها وتصونها من العبث، وإلا لماذا نشعر بالخجل عندما نسمع أطفالنا يتحدثون بلغة أشبه بنقيق الضفادع.


marafea@emi.ae