الفقر والجهل سببان جوهريان للأمراض النفسية وثالثهما الكبت والانحصار النفسي.. الفقر يستولد حالات عوز وعجزاً اجتماعياً وفردياً عن توفير ما يرفع الكبوت النفسية والضغوط الفسيولوجية والسيكولوجية.. الجهل يرفع من حصيلة الإنسان من سوء التربية والعجز عن معالجة القضايا الراهنة بأساليب علمية ناجعة، ومن ثم الارتهان للغيبيات والشعوذة التي بدورها تحاصر الإنسان بجملة من المعجزات الخرافية المنافية للعقل والدين أيضاً.. في موريتانيا يعاني مائة ألف مواطن من أمراض نفسية وعصبية، في بلد لا يزيد تعداد سكانه عن الثلاثة ملايين نسمة.. ويقول التقرير إن هذا البلد الفقير يعاني أيضاً من نقص في مجالات التخصص العلمي في فروع العلاجات النفسية.. الأمر الذي يضاعف من معاناة المجتمع من خلال هذه الأمراض التي يصبح بعضها مستعصياً كأمراض انفصام الشخصية والبارانويا والاكتئاب الشديد.
أعباء الحياة والضغوطات النفسية والإحساس بالدونية والعجز عن التعبير عن المكنونات النفسية وبخاصة المحظور عرفاً وتقليداً يجعل من الاحتقان والمحن النفسية في حال التضاعف إلى درجة الاحتراق.. السؤال الآن.. إذا كانت موريتانيا وحدها بتعدادها السكاني القليل تعاني من وجود مائة ألف مريض، فيا ترى كم أعداد المرضى في دولنا العربية التي بعضها لا يقل عن موريتانيا فقراً، والمساحة الأمية التي تنخر عظام المجتمع ما يجعل أفراده يلجأون إلى أعمال الشعوذة والتي تزيد الطين بلة وترفع من حجم الغلة وما يختزنه العقل من أمراض ومعاناة.. حقيقة أن العقد المقبل وما بعده سوف يكون معضلة العالم وبالذات الفقير، والأمراض النفسية المستعصية والتي أشد فتكاً من أمراض الجسد الخطيرة، الأمر الذي يجعل من الأهمية مواجهة العالم مثل هذا الوباء الخطير بكثير من الوعي بأهمية نشر العلم والتخفيف من وهم الشعوذات ومحاربة الفقر.
في عالمنا العربي بالذات هناك مساحات واسعة جداً من أفراد المجتمعات تعاني من فقر مدقع، ما يرفع من وتيرة الأمراض النفسية ويزيد من حدة تأثيرها على الدورة الاقتصادية في أي مجتمع. في عالمنا العربي تواجه شريحة واسعة من المجتمع وبالذات الطبقة المتعلمة، أزقة الأبواب المغلقة في مجالات التوظيف ما يجعل من هذه الشريحة تلجأ إلى أساليب الإحباط والانحطاط النفسي، وهذا الذي يدفعها للغرف من معين الخرافة حتى صار المشعوذون أطباء عصر ما بعد الثورة الصناعية في بلدان كثيرة استولى عليها الفقر واجتاحها، طوفان العجز عن توفير أبسط مستلزمات الحياة الإنسانية. العالم العربي من أكثر بقاع العالم مؤهلاً ومهيئاً لأن يصبح شبابه فريسة للأمراض النفسية لأنه عالم ينهش عظامه ويأكل لحمه ناب خطير اسمه الأمية ، والأمية في بعض البلدان العربية تجاوزت نصف عدد السكان.



marafea@emi.ae