بين التشاؤم والتفاؤل خيط رفيع ولكنه حاد إلى درجة إدماء القلب. ولكن في نظر الشخص المتشائم، فإنه كي يعبر هذه المنطقة السوداء، يحتاج إلى قدرة خارقة تنقله إلى حيث يكمن التفاؤل، فلا يوجد شخص متشائم إلا وعلى صدره تتكوم كتلة هائلة من الأفكار العدمية التي تضع أمامه حفرة غائرة لا يستطيع تجاوزها حتى ولو تضافرت جهود الدولتين العظميين، ومعهما الأمم المتحدة وما تنضوي تحت لوائها من منظمات دولية، لأن هذا الشخص قد اتخذ قراره النهائي من أنه لا مجال لإزالة تلك الأرتال من نفايات التاريخ، وبقايا عصور ما قبل الوعي وأصبح سجين واقع نفسي لا يجعله يفكر إلا في تفاصيل فنائه واندثاره تحت ركام الأحزان المتوهمة.
المتشائم شخص مستَلب، خاوٍ من الداخل ويعيش حالة نيتشوية حالمة في اللاشيء، ذاهبة إلى تشاؤمية شوبنهور، بمقدور إرادة محتلة من قبل جيوش من الانقباض واليأس والبؤس، إنه شخص مثل التربة المالحة، لا يكفيها ما يصلها من ماء الواقع، مهما بذل الواقع، وقدم واجتهد، يظل المتشائم في حالة الحسرة واكفهرار الجبين، يظل يبحث في اللاشيء عنواناً لشيء، لأنه شخص انعدمت الأهداف لديه، وتهدَّمت جدران الإرادة، وأصبحت الحياة نفقاً يقود إلى نفق، وجبالاً عالية تصطدم في كل نظرة يسددها إلى الحياة، ولا جدوى من المناورة، لأن مصيرها كلمة واحدة وهي (لا أستطيع)، وبهذه الكلمة تعلو هامات الجبال، وترتفع الأمواج، وتطوح بمراكب المتشائمين، وتلقيها عند سواحل العزلة والعدمية.
المتشائمون أفراد أنانيون في الأساس، رأوا أنهم الأفضل من سواهم، ولما خذلتهم قدراتهم انكفأوا، ووقفوا في زاوية النقد اللاذع لكل ما يرافق الواقع، ولا فرق لديهم بين الجميل أو القبيح، فالألوان عندهم متشابهة، والوجوه متساوية في الجيد والسيئ، وإنْ مسَّهم سوء سخطوا، وإنْ حظوا بما هو حَسَن قالوا ما فائدة هذا، فغداً سيكون الأسوأ، فهذه النظرة إلى الحياة هي وليدة فكر نبت في محيط أسري منقبض، والسقوف التي تضمه خفيضة إلى درجة تبدو لدى المتشائم وكأنها ستسقط على رأسه، وبالتالي لا يجد أمثال هؤلاء الأشخاص من مفر، سوى اللجوء إلى تلوين سبورة الحياة، بخطوط من طباشير رمادية، لا تبدي معنى للجملة الشعورية المكتوبة على تلك السبورة.