نحيا، وتجرفنا الأيامُ، تدفعنا دفعاً لندخل في لغزها، وتكون الطفولة باب الدهشة الأولى حين نتجرأ على الوقوف قليلا، ثم نسقط كي نتعلم الوقوف من جديد، ثم نجرّب أن نطير ويكونُ الأفق البعيد غاية حلمنا، وخطوة بعد خطوة، ندور في فلك الحياة مثل قوارب صغيرة تحاول أن تعبر في العاصفة، كثيرون ينقلبون رأساً على عقب بمجرد أن تلامسهم أول هبّة ريح، ولا يعود أكثرهم يرون الحياة إلا مقلوبة في صورها وأشكالها، وهؤلاء، وإن عاشوا، فإن الحقيقة تظل تزوغ عنهم، وينأى المنطق بنفسه كلما اقتربوا منه ليكونوا مجرد زوار في متاهة الحيرة التي لا يخرجون منها أبداً. وآخرون قد تخطو قواربهم إلى منتصف الطريق، لكن التيّار المعاند يردّهم حين تخور قواهم وتتكسر مجاديفهم على صخر التحدي، وسرعان ما يهاجمهم النسيان، وفي سباق العاصفة لا يصل إلى النهاية إلا من تدربت قلوبهم على الصبر، والذين يدركون مكامن الضعف في القوة، ومنهم من يطوي شراع لياليه إذا اشتدت الحلكة وصار صعباً رؤية الطريق، وبعضهم قد يحتمي بالتيار القوي كي لا تجرفه التيارات الصغيرة، وبعضهم يتقن الدوران في الدوامة والخروج سالماً من فمها الكبير. نحيا، وعلى ورقة نسافر، وإذا ارتفعت الموجة تتباهى بخصرها، عبرنا من تحتها ونحن نضحك حين نراها تتكسرُ أخيراً على شواطئ الحسرة وتصير زبداً منسياً، وإذا اقترب الطوفان، بنينا له سداً يعرقل خطوه، وتركناه يتعثر قبل أن تدوس أقدامه تربة أحلامنا، ومن فكرة المدّ، عرفنا أن الحياة أخذٌ وردّ. ومن حكمة البحر تعلمنا أغنية الحنين إلى الآفاق البعيدة التي لم يطأ أرضها أحد من قبل. نحيا، وعلى فمنا أغنية لا ينكسر نايُها، والبكاء الذي دخلنا به الحياة ونحن نرضع في الأقماط، يصير شدواً كلما ارتفعنا في سماء المحبة، والخطوة التي وضعناها على أول السلّم في طفولتنا الأولى، هي لا تزال خطوتنا ونحن في قمة العشق، نحن لا نتغيّر إلا في المرايا، ويظل جوهر روحنا واحدا مهما وخزتنا شوكة الحظ. بين موتين نحيا، وتصير الحياة بنا عرساً لو تصافحنا قلباً بقلب، وتكون الحروبُ ذكرى للحاقدين على جمالها، ويكون التناحرُ صفةً لمن جهلوا روعة هذا الوجود، هذه يدك، فإن مددتها لتصافح الماء، لن تعطش بعدها أبداً، وإن ذهبت برجلك لتخوض في النار تصير محواً، ويجرفك بركانها. عادل خزام akhozam@yahoo.com