نعود من جديد إلى مشاكل المضاربين، ولكن هذه المرة ليس في العقارات والأسهم، وإنما بما هو أخطر وأعمق تأثيرا، فالتركيز ينصب هذه الأيام على المضاربة بالعملات، والمساس بالدرهم. وتبسيطا لما يحدث حاليا، فإن بعض الشركات والمؤسسات، سواء في الداخل أو الخارج، باستطاعتها أن تحصل على قروض بالدولار بأسعار فائدة زهيدة تبعا لملاءتها المالية، تناهز تلك المفروضة أصلا من صانع السياسة النقدية الأميركية بواقع 0,6%، وتشتري الدرهم، عبر إيداع المبالغ بالعملة المحلية، وبعائد فائدة تصل على أقل تقدير إلى 2,6% على وديعة لأجل عام تبعا لأسعار الفائدة على الودائع بين البنوك بالدرهم، المعروفة بـ”الإيبور”. انخفاض الفائدة على الدولار، مقابل استقرار الفائدة عند مستوى عال نسبيا محليا، وسع هامش الفارق بين السعرين، وفتح شهية المضاربين لتحقيق أرباح خالية من المخاطر بسبب ثبات سعر صرف الدرهم مقابل العملة الأميركية. بالطبع، هذا يولّد طلبا غير اعتياديا على العملة المحلية، ويبقى معرّضا لمزاج المضارب، وبالتالي تصبح مؤشرات السيولة دائمة التغير، هبوطا وارتفاعا. هذا شكل جديد من أشكال الأموال الساخنة التي كانت تتخذ من أسواق المال والعقارات ملاذا لها قبل أن يقل عطاء الأسهم وتنحسر فقاعة العقارات، والآن عادت إلى البنوك على شكل ودائع ساخنة أيضا. وتلحق تلك الحال ضررا بالنظام المصرفي، فالمصرف المركزي مجبر على شراء الدولار الذي يحوله المضارب إلى درهم، ثم يعيد سحبه من البنوك وتحويله للدولار مرة أخرى، كما أن البنوك معرضة لنقص مفاجئ وزيادة مفاجئة في السيولة. وفي حال استمر الحال دون تدخل مباشر من “المركزي”، تصبح السيولة غير الموظفة عبئا على البنوك. وقد يكون هذا طريقا للتصحيح الذاتي، حيث من الممكن أن تنخفض أسعار الفائدة بين البنوك تبعا لتوفر السيولة، وبالتالي يقل الهامش بين الدرهم والدولار، وتتقلص الرغبة بالمضاربة. بيد أن انتظار التصحيح الذاتي يحمل أبعادا خطيرة، لذلك على المصرف المركزي أن يعيد النظر بأسعار الفائدة على الدرهم محليا، مع دراسة متأنية لانعكاس تلك الخطوة على مستويات السيولة والتضخم في حال زادت القوة الشرائية بسبب انخفاض تكلفة الاقتراض. المعادلة ليست سهلة، قد يكون الحل الجذري فك الارتباط بالدولار، ولكنه مرفوض من قبل صانع السياسة النقدية، على الأقل في الوقت الراهن. baha.haroun@admedia.ae