في كل مرة يدخل علينا شهر رمضان الكريم، أرتشف دموع الحزن والأسى، مخلوطة بدموع الشوق والحنين إلى أولئك الأعزاء الذين كانوا يحيطون بنا ويشاركوننا فرحة وضحكات الشهر الجليل، كنا نتقاسم معهم كل شي حلو وجميل، غابوا عنا ولن يعودوا مرة أخرى، غابت أجسادهم وظلت ذكراهم تسكن قلوبنا قبل عقولنا وضحكاتنا قبل دموعنا، بقيت ذكريات تعتصر قلوبنا الكسيرة المشتاقة للحظات لرؤيتهم وضمهم إلى صدورنا لكي نقول لهم كم اشتقنا لكم، ونعتذر عن كل ما بدر منا وأحزنهم، لكي نعيش كل لحظة معهم. فما من يوم إلا ونشيّع غاديا إلى الله، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، ووُجه للحساب، غنيا عما ترك فقيرا إلى ما قدم، وتعظم المصيبة مع قوة الصلة وتأكد أواصر المحبة، قال تعالى: (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) فالموت مصيبة، وكأن الإنسان لا يصدق نفسه كيف صار الحبيب والقريب جثة هامدة؟! ورغم أننا على يقين بقوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت والموت..) حق، فما الذي يفجعنا ؟! حين نذوق مرارة الفراق وحين نسقى من أسى الاشتياق نعرف أن المفجع في ذلك هو فراق الأحبة، فكم من أشخاص وأصدقاء بقربهم وبعدهم من أنفسنا كانوا بالأمس معنا وفجأة تركونا قبل أن يودعونا، رحلوا ولم يعلموا بأنهم اليوم راحلون، رحلوا ولم يحملوا معهم سوى ما كانوا يصنعون رحلوا ولم يتركوا خلفهم سوى ذكريات مرها وحلوها لها طعمها الخاص معهم، فكم من قريب وصديق رحل عنا كنا نتبادل معه الأحزان والأفراح ولم يدر بخلدنا أننا سوف نفارقه ولكن هي سنة الله في خلقه. فيا من تحمل في قلبك ضغينة أو كرها أو حتى تحمل العتب على من حولك، تناسى كل هذا السواد وعش لحظات وثواني وتفاصيل الحياة بحلوها ومرها مع من يحيط بك، فكلنا راحلون وكلنا إلى الله سبحانه وتعالى عائدون فلنتذكر الأيام الجميلة ونبتعد عن منغصات الحياة واختناقاتها ونصنع لغد زادنا الذي سنرحل به ولا بد أن نكون على يقين أن من كان معنا اليوم سيرحل عنا غدا، فلنصفِ النوايا ونحسن الخبايا، ولا بد أن يعود الإنسان إلى الواقع إلى البساطة إلى اللطف إلى الحب يعود إلى حيث الآمان إلى حيث الحياة الهادئة، عندما يتذكرها الفرد ويقارنها بواقعه تتداعى صور مختلفة في مخيلته وتترتب أموره ويحسن علاقاته. وأخيرا وليس أخيرا أستشهد بهذه الكلمات التي أثرت بي كثيرا “يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي هل تسمعون توجعي وتوجع الدنيا معي أين صيامكم؟ أين قيامكم؟ أين تهجدكم؟ أين تلاوتكم؟ أين صدقاتكم؟ لقد كانوا إذًا أمواتًا يمشون على الأرض وما المرء إلا راكب ظهر عمره على سفر يفنيه باليوم والشهر يبيت ويضحى كل يوم وليلة بعيدًا عن الدنيا قريبًا إلى القبر. Maary191@hotmail.com