مهرجان الرطب في ليوا، ميدان للخصب، يعيد للوجدان الإماراتي بريقاً أنيقاً، ويستدعي الذاكرة لأن تحطب من هذه الغابة النبيلة تأسيساً لثقافة الصحراء والانتماء، وذهاباً إلى مناطق الحلم، وما لونه في العيون من جمال اختص به الله هذه الأرض المباركة.. هذا المهرجان هو ميدان للوجدان، وهو لترتيب الأشجان، وهو اجتماع الأفئدة حول حصاد النخلة، وخيرات الجذع الخير ونبع الحياة.
المهرجان تأصيل وتفصيل وترتيل للمعنى، وتقليد وتجديد وترديد لأنشودة الزمن الجميل، وجريدة النخلة المبجلة، ولحن الطير المؤدلج بالمسافة ما بين الغصن والغصن، والارتفاع ما بين البذرة والقمم الشم، وهو التحدي والممارسة والمثابرة والمغامرة، والسعي الحثيث نحو غايات الخضرة اليانعة، وحضرة الشجرة المباركة.
المهرجان هو امتحان، وهو إمعان في تحفيز الذاكرة، واستدعاء العَرَق الأسطوري لغسل الفكرة من غبار ما تراكم من أيام وأوهام. المهرجان إحياء لذكر وحياة لذاكرة، ما انفكت تنبعث من خلايا الزمن، متجلية بالحوار الداخلي، مع نخلة أشبه بالقبلة، بل هي المسألة وكل تفاصيل المرحلة، هي البوح الجميل، هي العبارة الفاضلة، هي المفصل والفاصلة، هي الساعد المؤزر بالعزيمة، هي القوة المتواصلة.
مهرجان ليوا للرطب بألوانه وأشجانه وألحانه أبلغ من القصيدة وأفصح من أي حكاية تروى، هي سمة الذات الإماراتية، ولون الجبين، وشهامة الحاجبين، ونجابة الوجه اللجين، فهذه العناقيد قلائد بذل في صياغتها إنسان من هذه الدار، خض خضيضه واستدار باتجاه الحلم نحو النخلة عند خاصرة الحوض المائي، يسقي ويفلح ويصلح ويغرس اليدين في طين الخصب، ثم يحطب في عشب الانتماء، يتواصل ليؤصل قيماً وشيماً، ويسرج خيول المحبة عشقاً وكلفاً بهذه الأسطورة، الحكاية الأبدية النخلة المتمادية في الأناقة واللباقة.
مهرجان ليوا للرطب احتفال واحتفاء بالرائحة والمذاق، اكتواء باللهفة الجميلة، استمرار في صناعة الأمل، استمرار في تكحيل المقل بفرح الاستدامة.
مهرجان ليوا النتيجة والسبب لدأب لا ينضب، لأن الإنسان هنا، الإنسان في الإمارات مجبول على حب التراب، موصول بحبل النخلة، ولأنه لا ينتمي إلا لذاته، لثقافته، لحقله، لنخلته، للرطب الجني، للتاريخ الأصيل، والجغرافيا العريقة.
مهرجان ليوا للرطب، هو امتداد لمدى، ومد يمتد من جذر النخلة حتى وريد الإنسان، وفي التكوين الدلالة القرآنية (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً).
مهرجان ليوا للرطب هو الاحتمال الأكيد للسؤال عن كفاءة الإنسان في بلادنا وقدرته الفائقة على تحميل عذوق الحياة معاني البطولة، ومغزى التفاني تواصلاً مع الجذع النجيب.
مهرجان ليوا للرطب هو اللون والفن، والفنن الذي استعاد فيه ابن الأرض صوته الذاهب عميقاً في نسيج الزمن.


marafea@emi.ae