في لحظات العزلة، تداهمك الهواجس ومشاعر القنوط والهبوط، فتشعر بالتمزق والتشتت، وتشعر بالحنين إليها، بعد كل تلك السنين لا تفتأ تحن إليها، وأنت تعلم علم اليقين أنك لن تراها مرة أخرى، تشعر بالفجيعة، لكنك تعيش غائباً عن الواقع والحقيقة، غائباً عن الوعي، تواصل أسفارك وترحالك لأنها سلوى هروبك، لأنك لا تعرف غير الهروب عند مواجهة أحزانك ودموعك، همومك وهواجسك، أوهامك وجنونك، تتخلى عن كل النساء من أجلها، لكنها لا تعرف ذلك، ولا تبالي بك، وتهجر تلك الفتاة التي تهب نفسها إليك، ترفضها وتهرب، لأنك تشعر بأنك تخون ذاتك، تخون الحقيقة، وتخون كل مبادئك، ولأنك صرت جباناً في عالم الحب، وهو في نظرك يحتاج الى شجاعة وإقدام.. في المطار، تقبع في صالة المغادرين، تشعر كأنك تعيش في المطارات، كأنها صارت موطنك، تعيش بين مطار الوصول ومطار المغادرة، وبينهما مطارات للعبور، تشعر بالحنين الى الوطن لأنه يسكن بين الضلوع، ولأنك تحمله معك في كل مكان، لكن لم يحن الأوان بعد للعودة، فأمامك سفر طويل ومسافات بعيدة.. تألف قاعات الانتظار، تمثل بالنسبة لك مسرحاً كبيراً يعرض كل أنواع الفنون، بؤس وشقاء، تراجيديا وكوميديا، إنها ملهاة المسافرين.. تتلفت حولك، تبحث عن قصص المسافرين، تقرأ وجوههم، ابتساماتهم، بؤسهم، تتمعن في عيونهم، محاولاً قراءة أفكارهم، تضع سيناريوهات وهمية لحكاياتهم، تبتسم عندما تقبض على أحدهم يراقبك، ربما هو أيضاً يحاول تصور قصتك، تبتسم، تتحداه بينك ونفسك. أنه أبداً لن يستطيع تخيل حكايتك.. ثمة نداء عبر مكبرات الصوت لا تفهم منه شيء، لأنه بالصينية وأحيانا بالإنجليزية بلكنة صينية، لا تكترث له على الرغم من أنك تنتظره لأنك تنتظر موعد الطائرة التي تأخرت كثيراً، تستمر قابعاً متكوراً في مكانك، يتكرر النداء كثيراً لدرجة أنك صرت تعتقد أن اسمك يرد بين النداءات المتواصلة، تقرر التأكد من موظف يلتف المسافرون حول منضدته، لكنك تشعر بتكاسل، فتبقى في مكانك إلى أن ترى موظفاً يرتدي زياً رسمياً يهرول باتجاهك، يسألك عن اتجاه رحلتك، تنسى إلى أين تتجه، لأن كل الاتجاهات ما عادت مختلفة، وتكتشف أنهم ينتظرونك وينادون على اسمك، تبتسم ابتسامة صفراء والموظف يودعك ويتأكد أنك دخلت الطائرة.. تجلس محشوراً، تشعر بضيق في التنفس، المضيفة الجوية لا يهمها سوى التأكد من ربط حزام الأمان، تمثل أمامها أنك تربطه، وتفكه ما أن تغادر، لأنك تشعر بأن المسألة سخيفة، تغمض عينيك وتتمتم بدعاء السفر.. rahaluae@gmail.com