نمضي في الحياة، ونحن محملون بأثقال وهمية، تجعلنا غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة، عاجزين عن مقاومة ما يحدث من متغيرات، لأننا رهن أمثال ومأثورات وقصص تنوء من حملها الجبال، وتعجز عن غسلها البحار والأنهار، فعندما يقول لك يائس: «مد ريولك على قد لحافك»، فهو يدعوك إلى قتل الطموح، وعلق ضميرك على مشجب الشمس الحارقة، واحرق جل أحلامك، ثم ذر رمادها في صحراء خاوية، لا فيها بشر ولا فيها حجر، وابق كما أنت عند نقطة الصفر ولا تحرك ساكناً باتجاه الأفق.
كن كما أنت، كما ولدتك أمك عارياً من العقل المدبر، ذابلاً مثل عشبة على أرض جدباء، بائساً مثل أرنب تطارده مخالب وحشته، عابساً مثل خنفساء تلاحقها مشاعر الضآلة.

الحياة لا تستقيم مع الضعيف، ولا تتضامن مع المهزوم، ولا تحتفل بالحزن التاريخي، ولا تعترف بالجالسين عند دكة الانتظار، لِمَ لا يأتي. الحياة قصر فسيح، يسكنه الذين يفيضون بثراء المشاعر، يطوقهم الحب من الأخمص حتى ذوائب الرأس.

الحياة تقول لك تخلص من عقد الدونية، وانهض من ركامك الذي يثقل قامتك، ومد جسدك حتى آخر اللحاف، حتى تشعر بالبرد، وتذهب إلى مكان الدفء، وتعيش كما يعيش عشاق الحياة.
الحياة مثل المرأة الجميلة، لا تحب قبح المشاعر، ولا تطيق كسل القلب، ولا جفاف الروح. الحياة، مثل الوردة في الحقل، لا تنمو إلا عند ضفاف البلل، هي كذلك مثل الفراشة، تلون أجنحتها بألوان الأزهار اليانعة.
الحياة كالنهر، إذا تقاعست الغيمة عن النث، جف عطاؤه، وخف نداه. الحياة لا تعطي لمن لا يعطيها، بل تلفظه كما تلفظ النوى من بلح العذوبة. الحياة تريده أن يكون نخلة وارفة، ثرية بعناقيدها الناضجة، فكن ناضجاً حتى تطوقك الحياة بقلائد الفرح، وتعطيك ملح الذائقة الأنيقة. كن متفائلاً، لتذهب إلى النهر وأنت متأزر بأحلامك الزاهية، وآمالك العريضة. لا تصدق اليائس ولا البائس، إنهما يأخذانك إلى كهف العزلة، ويجعلانك مثل الجدران القديمة، لا تسكنها إلا الحشرات النافقة، وروائح الفقدان الأليمة.
كن في صلب الحياة، تجعلك متورداً، تجعلك ممتلئاً بالسعادة، تجعلك أكبر من لحاف اليائسين، تجعلك في قلب الأمل الناصع تجعلك مثل النجمة لامعاً، مثل الغيمة ندياً، مثل النهر صافياً، مثل الحياة نفسها.