الشواطئ مكان لأحلام أكثر ازهاراً وازدهاراً، وصفحات من رمل، تنقش عليها الأقدام الحافية رسم الجبلة الأولى، وسيرة كائنات تحتفي بالماء لطهارة الروح، ونفض غبار اليابس المكفهر، ولكن البعض من شبابنا يريدون دائماً أن تصير هذه الأماكن مواقع لقعقعة العجلات المتهورة، وصلصلة الأبواب المتشنجة، وجلجلة الأغاني التي تصم الآذان، وتسيء إلى الذوق، وتشوه العلاقة ما بين الإنسان والإنسان.. بعض شبابنا يريدون أن ينفسوا عن طاقاتهم الجسدية والذهنية والنفسية بأساليب ملتوية، في كثير من الأحيان تخدش حياء الآخرين وتزعجهم، وتحول نهارهم إلى ضيق وكدر، وبطبيعة الحال لا أحد من "المتوفرين" على هذا الشاطئ يستطيع أن يرد سلوكيات هؤلاء الشباب، لأنهم جاءوا إلى المكان وقد أجلوا مسألة الأخلاق، وهم على استعداد لأن يهبشوا أي إنسان يتعرض لهم، ولو حتى بالنصيحة، أو المجادلة الحسنى، المهم في الأمر أن هؤلاء الشباب يريدون أن يمارسوا هواية الفوضى والتعبير عن المزاج الشخصي بما لا يرضي الآخرين، لأنهم أداروا ظهورهم عن مشاعر الناس وتخصصوا فقط في التعبير عن مشاعرهم، وهي مشاعر في أغلبها عدوانية مزعجة تشيع البلبلة في نفوس العائلات، وتقلق الأطفال، وبخاصة الذين يتعرضون إلى زئير الدراجات النارية خلال مشاهدها المفزعة، أو القوارب السريعة التي لا تكتفي باللعب والدوران البهلواني بعيداً عن مكان وجود العائلات، بل تدور في أوساطهم إلى درجة الاقتراب الملاصق.
هذا المشهد كان قبل أسابيع، أما الآن فسوف يزداد المشهد سوءاً وخطراً، وكدراً، لأن المدارس أغلقت أبوابها، والفراغ سيزداد اتساعاً وحرارة الجو سوف تضاعف من رغبة الفوضويين من التعبير عن حرقة القيظ، بإحراق صدور الناس بما يقدمونه من أفلام استعراضية وحراك فانتازي ما أنزل الله به من سلطان، ونحن نقول إن بلادنا رائعة، والشواطئ الرملية مغرية، وزرقة الماء تستدعي مشاعر الناس لأن يقتربوا من البحر، وأن يحاذوا موجاته المتكسرة عند الشاطئ، الأمر الذي يجعلنا نقول للشباب استمتعوا ودعوا غيركم يرتاح، وراعوا مشاعر الناس، فأنتم في دولة حضارية وفرت لأهلها كل أسباب الراحة فلماذا هذا التعكير، ولماذا تسخير أدوات الفرح لأجل مضايقة الناس وتنكيد حياتهم على الرغم من أن السياحة والراحة على أرض الوطن خير من ألف زيارة لبلدان الآخرين، لما يزخر به وطننا من خيرات الراحة والمتعة والرفاهية، لكن هذه المتعة تحتاج إلى ثقافة التعامل مع المكان والإحساس بقيمة المكان عندما يتعايش الناس بسلام وأمان واطمئنان.
والحقيقة أن الضوابط والقوانين، وكل الجهود المكثفة لرجال السلامة والأمن لن تجدي نفعاً إذا لم يحترم الناس النظام، وإذا لم يقدر الناس قيمة الأمان الذي نعيشه، وإذا لم يتخلق الشباب بأخلاق هذا البلد الطيب، وثقافة أهله الذين صنعوا مجده وأسسوا بنيان تاريخه.


marafea@emi.ae