في زحام الناس، في إشراقة الوجوه، في بياض الكلمة، حضرت الشارقة كأنها الناسك المتبتِّل، والزائرون يملؤون وعاء القلب، باللون الزاهي، بالفرح المتباهي، كأنهم الفراشات بأجنحة الكتاب. 3,2 مليون زائر، جديرون بأن يحتفلوا بعرس الكتاب، جديرون بأن يرفعوا اسم الشارقة عند شروق الشمس، وعيونهم لآلئ تضيء المكان، وتعزف لحن الخلود، وأبدية الكلام، كان كل شيء على ما يرام، كان كل شيء يدعو إلى التقدير والاحترام والأنام كائنات من عجين الأمل، كانت تلمع بالمقل، وتهدي المتأمل ضوءاً يحط على الجفون كأنه النجمات المتألقة، كأنه الغيمات المتأنقة، كأنه الموجات المتدفقة. الزائر في المكان، في حلم بعلم العقل الصافي، يقف صاحياً مثل مصباح في فِناء سقفه السماء الملونة بالعفوية.. في المعرض كنت تجول، وقلبك يهتف، للحياة، للكتاب، لوعي الناس لأشواقهم، لأحداقهم، المنصوبة باتجاه الحبيب الأريب اللبيب النجيب كتاب اللحظة، والغد المشرق بجيل كفَّ عن الصمت عندما تحدث الكتاب، وأعلن حضوراً بهيجاً في شارقة الاستنارة، على تضاريس الإمارات الحبيبة. الزائرون كتبوا رواياتهم على أوراق القلب، وحاوروا شخوصهم بأناة وتؤدة، وذهبوا بالوجد إلى الوجود، وجددوا للمجد عهداً ووعداً، إنهم أصدقاء أحباء أوفياء للكلمة يزودون عنها، ويلوذون إليها، هي المأوى، وهي النجوى، كل شيء له المقام والقوام والسنام، ومنطقة واسعة في الكون أعشبت عندما فاض النهر عذوبة، بعد أن سكبت غيمة الشارقة ما صار أكسير الحياة، وديدنها، وناموسها.. سمعت الكثيرين يقولون ليت المعرض يدوم أكثر، فأيامه سطوع الأقمار، أيامه حبر وسبر، وسهر على المعنى والدلالة، أيامه حشر الناس، ونشر الكتاب، أيامه رونق الحضارة الإنسانية، وانشراحها وانفتاحها على الفيض.. سمعتهم يقولون إنه ليس معرضاً، وإنما عصر ناهض بالتجلي، وازدهار الأشواق بالحب.. سمعتهم يقولون في هذا المعرض هناك شعاع مثل أهداب امرأة حسناء جاشت بترف العطاء الإلهي، وسارت جذلانة ريانة بأحلام أجمل من زهرة برية طالعة عند جيد الصحراء النبيلة، سمعتهم يقولون لن يأفل نجم الكتاب طالما ضوؤه يبرق في شارقة الأحلام الكبيرة، لن يغيب الكتاب والشارقة تحضر في كل لحظة وآن عند دكة الوعي، متجددة كل عام بعطاء جديد وبذل جديد، وجهد لا يكل ولا يمل من الكد والجهد والجد.. سمعتهم يقولون إن الإمارات بألف خير طالما أسندت الظهر على كتاب يحمل معاني الجبال شموخاً، وأشجار النخل رسوخاً.