من ليس له ذاكرة، فليصنع له ذاكرة من ورق لا أدري لماذا تذكرت مقولة الروائي الكبير «جابريل جارسيا ماركيز»، وأنا أتأمل مئات الصور القديمة لإمارة رأس الخيمة، والتي كشف عنها الأستاذ الفاضل محمد عبدالله فارس مؤخرا وإلى أي مدى يمكن للمبادرات الفردية البسيطة أن تصبح مجدا لصاحبها وتتعملق فتصبح ذاكرة وطن وأجيال وأمكنة. .. أحيانا ترجك الصدفة فتنقلك من عالمك الحالي إلى عوالم أخرى إذا وجدت كائنا غير عادي ينظر إليها من منظور غير اعتيادي، والصدفة وحدها هي التي ساهمت بأن يكون لوطن وأجيال ذاكرة وأحداث وتفاصيل قبل 50 سنة، مكان بيننا اليوم. القصة بدأت كما يقول بو عبدالله « عام 1962 عندما أهديت له كاميرا لدى مشاركته في معسكر كشفي يقام كل عام في تلك الحقبة الزمنية في دولة الكويت ويسمى معسكر «فليطيس» وشارك فيها كممثل لإمارة رأس الخيمة في مختلف الفعاليات ونظير جهده وتفوقه حصل على هذه الكاميرا كهدية. الأمر الذي يؤكد أن المبادرات الفردية تبدأ من وقوع شيء ما في يد الشخص فتتحول عند البعض إلى شغف وحب للمعرفة بهذا الشيء، وتصير عند الآخر مجرد آلة للذكرى موضوعة في المكتبة يطالها غبار النسيان، لقد بدأت أصور المناسبات الوطنية والأفراح والرحلات، نشاطات المدارس، بالإضافة إلى نشاط وزيارات الحاكم وكذلك بعض المقاهي التي كانت موجودة، وكانت تكاليف شراء وتحميض الأفلام باهظة الثمن بالنسبة لي كطالب مدرسة، حيث قيمة الفيلم الواحد بـ 12 روبية، وكل صورة تكلف روبية ونصف، «عملة هندية» كانت تستخدم قبل الدرهم في الإمارات في ذلك الوقت.. واستخراج الصور عند «العكاس» محمد عبدالله النمر «الحساوي» يكلف 3 روبيات ووقتها كان مبلغاً كبيراً وبالتالي ركزت على الفعاليات الاجتماعية مع قليل من الأماكن والشوارع، ومنذ عام 1970 تطورت الهواية وبدأت أصور الأفلام الصغيرة غير الناطقة وكان التفكير بالنسبة لي أني، كنت أعتقد في قرارة نفسي أن الإثارة ستأتي كلما مضت السنين عندها سيصبح تاريخا بصريا موثقا. إذا كانت الوثائق المكتوبة تعني الشيء الكثير للباحث والمهتم فقط، فإن الصورة تعنى بالإنسان بشكل مجرد ما يعني بأنها تعنى بالكل.. شكرا سعادة محمد عبدالله أحمد فارس، وكيل وزارة مساعد للإدارة التربوية السابق بوزارة التربية والتعليم على هذه الذاكرة الجميلة وعلى هذه التفاصيل البصرية لأيام مرت على سكان رأس الخيمة.