كيف نقيس التفوق في حياتنا؟ ومن هو الإنسان المتفوق في هذا الزمن؟ وما هي أدوات التفوق؟ وهل للتفوق بذور في داخل كل إنسان؟ تلك المحاور كانت حاضرة في جلسة جمعتني مع أصدقاء «السهر» تجاذبنا خلالها أطراف الحديث الذي امتد إلى ما بعد منتصف الليل. قلت إن التفوق من وجهة نظري، هو النجاح في الحياة التي يعيشها المرء بين محيطه الأسري والأصدقاء والعمل وغيرها لأنها نتاج تفكير سليم كان قد بدأه الشخص قبل سنوات عديدة مرت؛ فقاعدة العلاقات الكبيرة التي بناها وما زال يبنيها الشخص المتفوق تدل على أن هذا الإنسان «تواصلي» محبوب من الجميع ولديه القدرة على امتلاك الأصدقاء، وهذا في تقديري تفوق اجتماعي يقفز إلى مرتبة الإنجاز. هذا أولا وثانيا: إذا رأيت الشخص قد أكمل أكثر من ربع قرن في حياته الأسرية في عصرنا الحالي دون مشاكل كبيرة في بيته وجذوة الحب التي تربطه بشريكة حياته ما زالت متقدة فاعلم أن هذا الرجل حاز التفوق ووصل إلى مرحلة الإنجاز، ويجب على الجميع تكريمه فكثيرون يفشلون أو تكون حياتهم أشبه بالمنفصل وقضايا الأسرة في محاكمنا تشهد بذلك. ثالثا: ليس بالضرورة أن يكون الشخص المتفوق دراسيا ناجح في عمله ومتفوق اجتماعيا؛ فأنا أعرف أشخاصا أخفقوا بعد التفوق الدراسي إخفاقا كبيرا وتاهت خطاهم في هذه الحياة لأن حياتهم وتفوقهم مر بشكل خط مستقيم وغير مدهش لا يشعر في كثير من الأحيان بتفوقه، لأن مقاييس التفوق للأسف ارتبطت بالتفوق الدراسي فقط، بينما هناك شخص «أمي» لديه تفوق عجيب في حياته تفوق على معرفته غير المنصفة تجاه نفسه، واكتشف فيما بعد أن الفصل الدراسي كان مقلوبا بداخله. شيء ما وضعه في هذه الحياة في المقدمة فيما بعد ونمت في نفسه أسئلة وشغف تجاه أسئلة الحياة واجتهد وتفوق ثم أنجز واستحق التفوق. هل هناك تفوق مطلق؟ كان سؤال استباقي لحديث صديقي أحمد الذي تعمق في الحوار كثيرا. وقال إن هناك عظماء من الشعراء والفلاسفة والروائيين بالرغم من تفوقهم العلمي ونظرياتهم التي غيرت كثيرا هذه الحياة أخفقوا في حياتهم الأسرية، مثال الفيلسوف سقراط الذي كانت زوجته تطرده، فهل تحكم على تجربته بأنها فشلت. هي عملية اجتماعية بمعنى أنه إذا لم تكن البيئة المناسبة للتفوق موجودة سيتعثر المرء كثيرا، فهناك أدوات للتفوق منها ما هو محض إرادة الشخص نفسه ومنها ما تعطيه البيئة للمتفوق. وضرب لنا مثالا بالعالم المصري أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عندما قال لحظة استلامه الجائزة «الإنجاز الذي وصلت إليه ما كان ليكون لولا وجود البيئة الخصبة وفريق عمل متكامل عمل معا». فهناك الكثير من العلماء والفيزيائيين في مصر أسهموا كثيرا في رسالة التعليم وأنجزوا لكن لم يصلوا إلى التفوق العلمي العالمي لأن البيئة المحيطة بهؤلاء العلماء لم تمنحهم أدواتها المساعدة على التفوق. في داخل كل إنسان بذور للتفوق بمعناه الشامل فقط تحتاج إلى أدوات منها ذاتية ترجع إلى الشخص نفسه ومنها ما تقدمه البيئة المحيطة بالإنسان المتفوق.