كم نحتاج من الوقت حتى نصل إلى الأسلوب الأمثل في إدارة كرة القدم؟، وكأننا اكتشفنا اللعبة بالأمس القريب، فنظل نجرب كل يوم مشروعاً، ونطبق آلية وعندما نكتشف فشلها أو عدم فعاليتها ننتقل إلى آلية أخرى، ربما نحقق بها الأهداف والمكاسب العديدة، إذاً لا بأس بمزيد من المحاولات والتجارب الجديدة.
الغريب أن صانعي اللعبة عندنا لديهم قناعة أكيدة في قدرتهم على تطوير كرة القدم من خلال هذه المشاريع والتجارب، علماً أنهم أشد الناس قرباً من الواقع، وهم الأكثر معرفة أن شركات كرة القدم ليست شركات حقيقية، وهي بالأصل أندية كانت هاوية قبل 12 عاماً، وعندما تم تطبيق قرار الاحتراف، تمت إزالة اللافتة القديمة: «نادي ثقافي رياضي اجتماعي» وتم تثبيت اللافتة الجديدة: «شركة كرة القدم» أما ما يدور بين جدران هذا النادي فلم يطرأ عليه أي تغيير يذكر.
مجرد شكليات مثل عقود موقعة، وملايين مدفوعة، فنحن الذين أطلقنا الإشاعة ونحن أول من صدقها، نتشدق أمام العالم أننا محترفون، ونحن أبعد ما نكون عن الاحتراف الحقيقي الذي نراه في مختلف دول العالم المتقدمة كروياً، فلا يوجد لدينا أدنى مقومات الاحتراف على جميع الأصعدة وكل المستويات الإدارية والفنية والمالية والقائمة تطول.
اليوم، يطرحون مشروعاً جديداً لطالما تحدثنا عنه وهو الميزانية الصفرية، ويأتي هذا المشروع بعد الفشل الذريع الذي أصاب المشروع الوهمي السابق، وهو قانون سقف الرواتب، والذي تم إقراره منذ سنوات وتم التعديل على بنوده والتغيير في نصوصه أكثر من مرة بحثاً عن التطبيق الأكثر مثالية، ولكنه لمن كان يتحرى الصدق والدقة في عمله لم يكن لينجح أبداً، فهذا المشروع من الأساس ولد ميتاً.
بالأمس سقف الرواتب واليوم الميزانية الصفرية وهو على الرغم من أنه يبدو أكثر واقعية، إلا أنه سيفشل كسابقه من المشاريع، والعيب ليس في المشروع كمسمى وتطبيق، ولكن العيب فينا، نحن الذين نستعين على قضاْء حوائجنا بالكتمان المبالغ فيه، ليس خوفاً من العين أو الحسد، ولكن لأن معظم ممارساتنا قد تكون خاطئة وكارثية، لذا نتخذها بعيداً عن أعين الجميع ونغلفها بالسرية.
لا وضوح لدينا ولا حوكمة ولا توجد شفافية، ومعظم الأرقام المعلنة ليست صحيحة ولا هي واقعية، إذن كيف نتوقع نجاح مشروع الميزانية الصفرية، طالما لا نعرف قيمة «عقد رعاية»، ونتكتم على راتب مدرب، ونحجم عن إعلان قيمة مكافأة، ولا يمكن أن ننشر قيمة عقد لاعب، إذاً ستتواصل حيرتنا وسيستمر واقعنا الرياضي «حقل تجارب».