أعرف مسؤولا في صباح يوم صيفي حار، جاء إلى مكتبه في إحدى الدوائر أحدُ المواطنين، طالباً مقابلته، فتصدى له السكرتير، قائلاً إن المدير في اجتماع ولن يستطيع مقابلته. ولكن ذلك المواطن كونه قطع مسافة طويلة، من مكان مسكنه إلى موقع الدائرة، فعز عليه أن يغادر في اللحظة ذاتها، وفضل أن يأخذ نفساً ويستريح قليلا ثم يعاود رحلة الشقاء إلى منزله، وهو يخفق بنبضات الإحباط. وبينما هو يعد الدقائق لعل وعسى أن يبرز المسؤول، في لحظة سحرية تعيد له الأمل، ولو حتى بابتسامه باهتة على أقل تقدير، وليعود إلى أهل بيته مفتخرا، بأنه قابل المدير وهذا يكفي في حالة الإحباط. فجأة وبعد حثيث، ونثيث، يخرج المدير، ينفض جلبابه عن قرفصات أصابت القماشة البيضاء الناصعة، ولما رأى (طالب القرب) تغضن جبينه، ونظر إلى السكرتير معاتبا، لماذا لم يتخلص من هذا الشخص بأي عذر، بدلاً من الإحراج، ولكن السكرتير أشار بنظرة حائرة، مدافعا عن موقفه، وكأنه يريد أن يوضح للمدير أن الشخص كان على وشك مغادرة المكان ولكن القدر أراد أن يفضح الأمر. وقف المواطن محييا المدير بابتسامة مكسورة، ونظرة ذابلة، وقبل أن يفوه بكلمة، أجابه المدير، (اسمح لي) أنا مشغول الآن، وليس لدي الوقت في التحدث في أي أمر ما. انكفأ المواطن وعاد أدراجه يبحث عن حفرة يدفن فيها رأسه، كي لا يرى أحد دمعة غائرة تجول بين جفنيه. غادر المدير، وتبعه المواطن، ولكن كل ذهب إلى غايته، وغاية المواطن هي أن لا تتكرر مثل هذه الصدف المحزنة، وأن لا يراه أحد وهو يلملم مشاعره المبعثرة، مثل زجاجات مهشمة، على أرض إسمنتية. هذه نماذج تحدث في كل مكان من العالم، وليست غريبة على البشر، ولكنها مستغربة في بلادنا، التي تقوم القيادة الرشيدة بتسخير كافة الإمكانيات، والأدوات في سبيل إنجاح العملية التنموية، وجعل الإمارات في الصفوف الأولى، وجعل المواطن الأسعد في العالم. في الإمارات فقط، يستهجن مثل هذا التقاعس عن أداء الواجب الوظيفي، لأن الإمارات، وطن الإنجازات المدهشة، الإمارات وطن التفاني، ووطن صناعة المعجزات رغما عن أنف كل متكاسل، ومهمل لأداء عمله، هذا قد تتقبله بعض الشعوب نظرا لظروفها الاجتماعية، وإنما في الإمارات يعتبر، عملا مرفوضا، لأنه يخالف نهج القيادة وطموحها وسعيها الدائم لأن نصبح نحن الاستثنائيين، وأصحاب الفرادة، والنصوع، واليفوع.