لا يمكن أن تتشابه الشعوب في ثقافاتها وعقلياتها وتقاليدها وطريقة تفكيرها، وهذا ما يظهر في المونديال في كل موقف وكل مباراة وكل ردة فعل. في إيران حيث ثقافة التعصب والغضب تطغى على فئات كبيرة من الجماهير هناك، اضطر اللاعب الموهوب سردار آزمون نهاية مشواره مع منتخب بلاده، رغم أنه لم يتجاوز الـ23 عاماً.. الموهبة الإيرانية لم تقرر الاعتزال بسبب عاطفة عابرة أو عدم إحساسه بواجباته تجاه وطنه، بل بسبب ردة الفعل غير المسؤولة من قبل المشجعين المتعصبين الذين تهجموا عليه وعلى عائلته وعلى والدته، والتي تعاني من المرض حسب وصف اللاعب، ولا أرى أن هناك ما يستحق أن يقوم المشجعون بالتهجم على عائلة أي لاعب مهما فعل، ولكن هي ثقافة الشعوب وطريقة تفكيرها، والتي توضح المستوى الفكري بين دولة وأخرى! في المقابل وبعيداً عن إيران بآلاف الكيلومترات، قام أحد المواطنين في كوريا الجنوبية بطلب التقدم بالالتحاق بالدورة الإلزامية للخدمة العسكرية في بلاده بدلاً لنجم منتخب بلاده «سون هيونج مين».. مبرراً أن من حق جماهير كوريا الجنوبية وفريق توتنهام الإنجليزي أن يستمتعوا ويستفيدوا من موهبة وجهود هذا اللاعب، وقد يبدو الطلب غريباً ومن المستحيل الموافقة عليه، ولكن استجداء هذا المواطن يكفي لأن يعرف النجم الكوري تقديره بين الجماهير في بلاده، بعد أن اجتهد وأخلص وثابر وسجل هدفين في مرمى ألمانيا.. جماهير كوريا الجنوبية ترى أنها ودعت المونديال برأس مرفوعة! وقريباً من كوريا الجنوبية، ظهرت بعض جماهير اليابان ممتعضة مما قام به لاعبو منتخب بلادها، بعد أن تعمدوا إهدار الوقت، والمبالغة في التمريرات فيما بينها، رغم كونهم متخلفين بهدف أمام كولومبيا، وقد يبدو هذا الفعل مبرراً بعض الشيء عند المدرب واللاعبين أنفسهم، ولكنه ينافي اللعب النظيف، وهو ما اتفقت معه الجماهير اليابانية.. والتي كانت سعيدة بالتأهل، ولكنها ممتعضة من الطريقة والأسلوب! في المقابل فإن هناك تساؤلاً شغل بال الجميع بعد نهاية الدور الأول، لماذا ودعت كل المنتخبات الأفريقية المونديال من الدور الأول، رغم أن حظوظ كل من السنغال ونيجيريا كانت أقرب من بقية المنافسين، ولكننا بهذا السؤال نعود إلى المربع الأول.. المنتخبات الأفريقية لماذا تعاني بعد أن تنتصر؟.. هو سؤال تردد مع الكاميرون في مونديال 90 ومع نيجيريا في مونديال 94 وأيضاً 98، رغم تحقيقهم نتائج كبيرة وقتها.. واليوم تعود السنغال ومعها نيجيريا أيضاً بنفس النسق، وكأنها تعاقب نفسها على الفرحة، فهل ما ينقص الكرة السمراء الإدارة الأوروبية التي تعرف كيف تتعامل مع مبالغات الفوز والثقة الزائدة في النفس.. هي عقليات وثقافات يبدو أنها لن تتغير بسهولة! كلمة أخيرة التعرف إلى كل تلك الثقافات كان يكمن فقط في السفر.. ولكن كرة القدم اختصرت لنا ذلك.