كان بيرو أول المنتخبات التي أعلنت رحيلها عن المونديال.. فبعد نهاية الجولة الثانية حُسم الأمر نهائياً، وبات الفريق «الأبيض» ذو الخط الأحمر الشهير خارج كل الحسابات.. ولكن هناك دروساً قدمها هذا المنتخب وجماهيره، هناك مواقف لا يمكن أن تمر مرور الكرام من دون أن تتوقف عندها! بيرو دولة ناشئة في مجال التنمية والاقتصاد.. وشعبها يمثله شريحة واسعة من البسطاء ممن يعيشون دون خط الفقر وفوقه.. ولا يملك نجوما من الصف الأول أو الثاني أو حتى الثالث في ملاعب كرة القدم الأوروبية، ولكن ما كل هذا الحب من هذه الجماهير لمنتخب بلدهم؟!.. فبعض المشجعين قدم استقالته كي يحضر إلى روسيا والبعض الآخر باع سيارته كي يستطيع الوصول إلى موسكو وبقية المدن الأخرى، والبعض الآخر طلب قرضاً بنكياً فقط، كي يكون مع منتخب بلده في المدرجات! هم لم يطلبوا تذاكر سفر من رجال الأعمال ولم يزعلوا على اتحاد الكرة عندهم، لأنه لم يقدم لهم التسهيلات، ولم يفرضوا على أي جهة أن تتكفل ببطاقات الدخول إلى الملعب، كل ما قاموا أنهم قرروا المساندة وحضروا إلى الميدان، وشجعوا منتخب بلدهم رغم كل الظروف الاقتصادية التي يعيشونها! حين خسرت البيرو.. بكى البعض منهم، وحين ضاعت منهم فرصة التأهل صفقوا رغم الحسرة التي رأيناها في ملامحهم.. فهم يدركون أنه أمام منتخب مخلص مثلهم.. يعيش معهم هذا الحب ويقدر منهم هذا التعب.. فكانوا هم واللاعبون بمثابة عائلة كبيرة، وصل عددهم إلى أكثر من أربعين ألف شخص! بعض البيروفيين بحثوا عن أطول طريقة وصول إلى روسيا.. ليس حباً في التجول بالمطارات، بل لأنها الطريقة الوحيدة لاقتناء تذكرة سفر زهيدة الثمن لتوفر لهم بقية ما عندهم من أموال لتعينهم في روسيا!!.. هل لكم أن تتخيلوا ذلك؟ بيرو كدولة وشعب ورياضيين ومشجعين قدموا درساً لكل العالم.. فالمونديال بالنسبة لهم ليس مباريات كرة قدم.. بل هي تاريخ وذكرى وحلم ونشيد وعلم ووطن.. فهي أشياء لا تقدر بثمن! غادرت بيرو، ولكن من أكبر الأبواب.. غادرت وفي مباراتها الأخيرة كانت جادة في تحقيق شيء لجماهيرهم فلعبت أفضل من أستراليا التي كانت تحتاج للانتصار كي تبقى في حسابات التأهل، ولكنها اصطدمت بقوة ورغبة بيرو في رسم آخر ابتسامة لهم قبل أن يعودوا إلى بيوتهم حاملين معهم أجمل ذكرى في قلوبهم. كلمة أخيرة المونديال بات فرصة لأن تعرف ثقافات بعض الشعوب.. وفي بيرو يبدو أن الحب هو لغتهم هناك!