كان المصممون والمبتكرون في خطوط الموضة والأشياء الثمينة في كل عواصمهم يجتهدون ليبدعوا شيئاً يجعل من الحياة أكثر بريقاً، وأجمل لوناً، وفي الوقت نفسه يحاربون مشوهي علاماتهم وتوقيعاتهم الثمينة، كانوا يقومون بجهد مضاعف، جهد الإبداع، وجهد الدفاع عن الإبداع التي نذرت الشركات الصينية الكثيرة نفسها في تبني تشويه الذوق العام الراقي، وحين كان يتسنى لي حضور معرض للمبتكرات والمصنوعات الجلدية أو عرض دور الأزياء أو صالون للساعات الثمينة في مدن أوروبا، كنت أرى جحافل من المصورين السريين المتنكرين في زي زوار، وكانوا يهتمون بتصوير التفاصيل الدقيقة بعدسات «تلي فوتو» مقربة، يومها العالم لم يكن ينتبه لجنود المقلدين، لأن النيات في مجملها كانت حسنة، ولما صارت نحو الضرر، عزم كبار المصممين أن يحتاطوا بالسرية، وبمراقبة الدوائر التلفزيونية، مثل الجميل على الدوام «إيف سان لوران» الذي حرّك خيوط وخطوط الحياة، وأعطى نفَساً حرّاً، وبريقاً، ودفئاً، والمتحصن المتدثر دوماً «كارل فيلد»، والكثير غيرهم من إيطاليين غير عاديين، وفرنسيين ملهمين، وبعض الإسبان والألمان والإنجليز النادرين، ودخل مؤخراً اليابانيون بحذر، نظراً لما يتمتعون به من خصوصية مرهفة تجاه ثقافتهم، وإرثهم، وما يمكن أن يتقبله العالم منهم غير الإلكترونيات، من خطوط أزيائهم المحافظة، ويتقبل ألوانهم الحارة.
اليوم تتجاذب هذه الدور، وبيوت الموضة كل جوانب الحياة ومتعها وزينتها، ليست في الثياب والحقائب والأحذية والعطور فقط، بعض من هذه الدور تصنع مقعد الحمّام، ومسكة قفل الباب، مثلما تنتج الستائر، ومفارش اليخوت، وأطقم الأكل، وحتى الخطوط الهندسية المعمارية، والكثير الذي لا يحصى، وهي بخبراتها التي تمتد لمئات السنين، كدور الساعات السويسرية العريقة، تحاول أن تتحرك في منطقة ضيقة لتضفي اللمسات والتواقيع المتقنة، والمبتكرة على الأشياء، فارضة اختياراتها كذائقة للناس، وتوجها للذوق الإنساني العام، مثلما فرض «لوي فيتون» ذائقته في تصنيع الحقائب، فغزا بها العالم، ومثلما فجّر «فيرساتشي وكينزو» الألوان، ومثلما بقي «هيرمس وبيربري» محافظين على خط واحد، لا يخرجون عن سيره، لأن زبائنهم من طبقة واحدة، وفي أعمار متقاربة، ولا أدري وهذا اجتهاد شخصي وشعور لا أقدر أن أخفيه، أن هاتين الدارين تتبعان الأرامل الثريات غير الطروبات، ومن بقي من نساء الإقطاع الأوروبي النبيل، ومحدثي النعمة من الفساد في البلدان المغلقة.
مهمة الصين هي اليوم تكسير هذه القيود، وفرض موجوداتها الرخيصة، والخالية من الحس الرفيع، وسريعة الاستهلاك، وكثيرة العطب، وتصنيعها الجماعي، هذا غير التقليد والمحاكاة البشعة والتي تكلف أصحاب العلامات الأصلية خسائر في مبيعاتهم، وخسائر في جمع شبيهات علاماتهم، فواحد مثل «كارتييه» مثلاً يبث جنوده يجمعون ما قلد من بضائعه وساعاته حول العالم، دافعاً ثمنها، ليجمعها في الساحة الباريسية قبالة محله الرئيس، ويخطف عليها بمدحلة حديدية ثقيلة، ولا يبقي على أثر منها!