أبو زيد، 67 عاماً من الترجل باتجاه الحقيقة والبحث بين أغلفة الظلام، عن شمعة تضيء، وعن غيمة تنث، وعن نجمة تسعد الأرض ببريقها، وعن نعمة العقل تحرك المياه الآسنة، وتفتح نافذة للتبصر من تحت السقوف الضعيفة لتحمي الإنسان من الإجابات الجاهزة، وتحصنه من فيروسات ألمت وتفاقمت وتراكمت فاحتقنت حتى صارت دمامل لا تخبئ غير الصديد والألم، ونعمة العدم.. نصر حامد أبو زيد، المولود في قرية قحافة في محافظة الغربية والذي نال برسالته للدكتوراة “نقد الخطاب الديني” ما ناله قبله الحلاج، وابن عربي، من تقريع وتجريح ونقد لاذع تجاوز حدود النقد الأدبي، واجه الموت فجأة، فانتقل إلى الضفة الأخرى من الدنيا حاملاً معه مأساته، وانتكاسة مجتمعه، وقنوط الذين ساوموه على الحقيقة فلم يرهن العقل في سوق الاحتمالات المبتورة والافتراضات المناهضة لفرضية أن العقل هو أصل الفكرة، وأس العبرة، وساحة المبتدأ والخبر في الجملة المعرفية.
نصر أبو زيد الذي لم يتخل عن الزوجة. كما ارتباطه بالفكرة، والقاسم مشترك في المبادئ الكبرى التي لا تجزئ الثوابت، ولا تقتنع بشيء اسمه المؤامرة.. فتأبط الرجل في البدء رسالته، وذهب إلى هولندا مساهمة منه في الخروج من نفق الجدل العقيم، لكنه عاد، وهذه المرة عاد ليذهب بعيداً أكثر بجسده فقط.. لكن الفكرة ستظل كقرص الشمس، تغيب هنا لتشرق هناك، والأبدية للذين يريدون الحياة دون عكاز التفسيرات المدلهمة، ودون التأويلات المكفهرة، ودون الأحزان الجنائزية، وضرب الصدور حسرة على ذات تأبى أن يسطع النور على كيانها خشية من النور الذي يقشع الظلام فتصبح الفكرة المتزمتة أشبه بحلم ليلة يائسة، مشحونة بالانكسارات واندحار المفهوم.. نصر أبو زيد، رحل، ويا ترى هل سيجد من ينصفه وهو الذي أراد إنصاف الفكرة وتعظيم قدرة الخالق من خلال مناقشة المنظور من المفاهيم.. لم يملك أبو زيد اليقين، لكنه اجتهد في حدود الممكن، وكان من الممكن أن يجتهد الآخرون في سبيل الإثراء لا من أجل الرشق أو الصلب أو السبي، الأمر بالنسبة لأبي زيد لم يخرج عن إطار التفكير، والأخلاق الإسلامية قامت ونهضت وترعرعت في بساتين التبصر والتأمل والتفكر.. ولا يرفض الفكرة إلا من جف معين العبرة لديه، وصار لا يشبه إلا نفسه في خضم هذه العظمة الكونية الرهيبة، التي لا يمكن أن تكون جامدة، طالما تحركت النجوم والكواكب في دورة كونية، تعظم خالقها وتمضي بمخلوقاتها إلى سبر ما يجيش في أحشاء هذا الكون العظيم.. أبو زيد فكر، والله العزيز القدير قال “وفي أنفسكم أفلا تتفكرون”، وأبو زيد قرأ الحكاية، من البداية.. والله قال “اقرأ”.



علي أبو الريش | marafea@emi.ae