كثيراً ما نألف المكان الذي نعمل فيه بتفاصيله التي لا نلتفت إليها، من زملاء مع الوقت يصبحون إخوة اعتدنا رؤيتهم واعتادوا رؤيتنا، نقضي وإياهم وقتاً أكثر مما نقضيه مع أهلينا وأُسرنا، ونعرف عن بعضنا ربما أكثر مما يعرف الإخوة في البيت الواحد، وبعضهم مع دوران رحى طاحونة العمل اليومية، ربما لا نعرف عنهم ولا يعرفون عنا الكثير، ولكن خيطاً سحرياً من أشياء جميلة غير مرئية تربطنا بهم وتربطهم بنا، ولا نعرف ماهيتها بالضبط، ربما هي مجموعة من أحاسيس إنسانية تجتاح الذات، تخرجها من وحدتها و»أناها» لتتواصل مع الآخرين بقواسم مشتركة لدى الجميع، وقد تكون هناك لحظات تصادم بين هذه الذوات المختلفة في التوجهات وطرق التعبير، ولكن سرعان ما تتلاشى آثار مواقف الصدام أحياناً، لتصبح ذكرى جميلة تبين لنا جميعاً أن ما يجمع أكثر مما يفرق، ويدعو إلى التصادم والخلاف، وقد يكون هناك اختلاف في العمل في وجهات النظر، أحياناً في طريقة العمل، أو في الرؤية التي من الطبيعي ألا تتطابق، والاختلاف هنا إثراء للعمل ووسيلة للاتفاق والتجانس والتعرف إلى ما في أعماق النفس والتقارب والإحساس بالآخرين ومشكلاتهم، فقد تنعكس آثار المشكلات التي يعانيها كل واحد منا على نفسيته، فيتصرف بما لا يحب الآخرون، ولا يحبه الشخص نفسه، وهنا لا بد للجميع أن يتعاونوا ويقدروا ظروف بعضهم، وألا يقف كل واحد متربصاً بالآخر لأي هفوة أو زلّة بغير قصد! تفاصيل كثيرة في حياتنا لا نحس بها إلا حين تغيب من حياتنا، فلا نتنبه لجمالها وأهمية وجودها في حياتنا إلا يحين موعد غيابها لسبب أو لآخر، فنشعر بأن هذا الزميل الذي اختار أن يترك المكان لسبب أو لآخر، كما هي طبيعة الحياة، إلى مكان آخر وموقع جديد، إنما يُقتطَع من فلذة كبدنا، أو يسلخ من جلدنا، تتولد مرارة في الحلق والقلب والنفس لم نذقها من قبل، ويستبد بنا الأسى، لأنه سيغادرنا، يتبدى أمامنا فارساً يودع ساحة طالما أبلى فيها، أو شاعراً طالما أمتعنا بأجمل القصائد.. نشعر ونحن نودّع هؤلاء ممن كانوا يعملون بصمت، بأننا سنفقد عبَقَ أنفاسهم الطيبة الذي عطّر المكان، ولكننا للأسف لا نكتشف ذلك إلا متأخرين، وكما هي العادة أننا لا نشعر بقيمة الأشياء إلا عندما نفقدها. ابن زيدون: كــــمْ ذا أريـــــــدُ ولا أرادُ؟ يا ســــوء ما لقــيَ الفـــؤادُ أصفـــــي الــودادَي مــدلَّلاً لْمْ يَصْـفُ لـي مِنْــهُ الـــوِدَادُ يقضـــــي علـــيّ دلالُــــــهُ فــي كُلّ حِيــــنٍ، أوْ يَكـــادُ كيــفَ السّــلوّ عــنِ الّــذي مثــوُاهُ مـن قلبـي السّــوادُ؟ مـــلكَ القلـــوبَ بحســــنِهِ فَلَهـــا، إذا أمَــرَ، انْقِيـــــادُ يا هاجـرِي كــــمْ أســـتفيدُ الصــّبرَ عَنْــكَ، فـــَلا أفــَادُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae