لا نزال ننتظر إعلان الأحكام التي سيطبقها المصرف المركزي في آلية عمل صندوق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي أمر الشهر الماضي بإنشاء صندوق برأسمال 10 مليارات درهم، يتولى دراسة ومعالجة قروض المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وإجراء تسويات للقروض الشخصية المستحقة عليهم. ومكرمة رئيس الدولة تهدف إلى معالجة مشكلة الديون الشخصية، والتي تورط فيها الكثير من المواطنين، وتحولت إلى ظاهرة تهدد استقرار حياتهم الأسرية، وبالتالي تهدد سلامة المجتمع. ولو نظرنا إلى الموضوع بتمعن فإن المنطق يقول إن دولة مثل الإمارات تقدم رواتب عالية، وبرامج للإسكان والزواج، وقوائم طويلة من الخدمات المجانية في أمور أساسية من أمور الحياة، مثل التعليم والصحة، بالإضافة إلى حرصها على ضبط سوق السلع الغذائية، وعدم فرض ضرائب على مواطنيها، كما تفعل معظم الدول، من المفروض أن لا تستشري فيها ظاهرة الديون الشخصية. قد تكون هناك فئة أجبرتها الظروف، وغدر الزمن، على الاقتراض والسقوط في بحر الديون، لكن من المفترض أن تكون هذه فئة محدودة، وفلا تحول مشكلة القروض إلى ظاهرة مخيفة تهدد سلامة المجتمع الإماراتي، كما هي حاصلة حالياً، خاصة أن معظم أساسيات الحياة وأكثر متوافرة للمواطنين، بصورة تغنيهم عن الاقتراض. المصيبة في الأمر أن كلنا يعرف أن مشكلة الديون التي نعانيها ليست وليدة حاجات قهرية دفعت الناس إلى الاقتراض، ولكنها نتاج واقع المجتمع الاستهلاكي الذي أصبحنا عليه، والحرص وراء الجري وراء الكماليات والمبالغة فيها سنة عن أخرى، في التسعينيات كان معظم المواطنين يرضون بسيارات بستين أو سبعين ألف، واليوم معظمنا يحرص على اقتناء سيارة بمئات الآلاف ولو اقترض، قديماً كان الناس يؤثثون مجالسهم بمبالغ لا تتعدى العشرة آلاف، واليوم البعض مستعد لصرف مائة ألف للغاية نفسها، قديماً كان من الممكن أن تسافر مرة في السنة أو حتى لا تسافر، لكن اليوم لا بد من السفر ثلاث وأربع مرات. اللهم لا حسد والله يزيد ويبارك النعمة على الجميع، والذي لديه المال له الحق في الإنفاق كيفما شاء، لكن المشكلة تكمن في أن الجميع أصبح ينفق الأموال حتى لو لم يكن يملكها، ومن هنا نشأ مرض الديون والجري وراء الأمور الاستهلاكية، وهي مشكلة حلها معقد. أظن أن صندوق خليفة سيلتفت إلى هذه الحقائق، ويأخذها بعين الاعتبار، عند حل مشكلة قروض المواطنين، بالتركيز على مساعدة المعوزين، والذين دفعتهم الحاجة إلى الاقتراض، ولولا ذلك ما اقتربوا من بنك ولا مصرف، وستبتعد عن الذين تورطوا بديون كمالية، لأن هذه الفئة لو سويت ديونها اليوم فإنها ستعود إلى الاقتراض غداً! سيف الشامسي | salshamsi@admedia.ae