نرى عزوفاً واضحاً عن الزواج في مجتمعاتنا العربية لأسباب أهمها اقتصادية واجتماعية، وأظن أن أهم أسباب هذا العزوف هو سيطرة النظرة المادية على أفكار أبناء المجتمع، فلم يعد أحد يسأل الخاطب إلا عن جيبه، فإن كان منتفخاً غض النظر عن كل ما بقي، ويبالغ الناس في المهور وكأنهم يضعون بناتهم في مزاد، فيضيّقون عليهن، فيضيّعون شبابهن ليتلفحن باللقب المؤلم «عانس» والذي شاع كثيراً في بيوتنا جميعاً لفلذات أكبادنا من بنات بعمر الورود يذبلن بفعل منا، وأحياناً بفعل ورأي من بناتنا أنفسهن. هذه هند بنت عتبة التي تزوجت أبا سفيان بن حرب تقول لأبيها: إني امرأة قد ملكت أمري فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي، فقال لها: ذلك لك، ثم قال لها يوماً: إنه قد خطبك رجلان من قومك، ولست مسمياً لك واحداً منهما حتى أصفه لك، أما الأول: ففي الشرف والصميم، والحسب الكريم، تخالين به هوجاً من غفلته، وذلك إسجاح من شيمته، حسن الصحابة، حسن الإجابة، إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك في ضعفه. وأما الآخر ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدر أرومته، وعز عشيرته، يؤدب أهله ولا يؤدبونه، إن اتبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعر بهم، شديد الغيرة، سريع الطيرة، وشديد حجاب القبة، إن جاع فغير منزور، وإن نوزع فغير مقهور، قد بينت لك حالهما. قالت: أما الأول فسيد مضياع لكريمته، مؤات لها فيما عسى إن لم تعصم أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت جفائها، إن جاءت له بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت. اطوِ ذكر هذا عني فلا تسمه لي، وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة: إني لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة، وإني آخذة بأدب البعل مع لزومي قبتي، وقلة تلفتي، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، والذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، الزائن لأرومتها، غير مواكل ولا زميّل عند ضعضعة الحوادث، فمن هو ؟ قال : ذاك أبو سفيان بن حرب، قالت : فزوجه ولا تلقني إليه إلقاء المتسلس السلس، ولا تمسه سوم المواطس الضرس، استخر الله في السماء يخر لك بعلمه في القضاء. ذات يوم رآها بعض الناس ومعها ابنها معاوية، فتوسموا فيه النبوغ، فقالوا لها عنه: إن عاش ساد قومه، فلم يعجبها هذا المديح فقالت في إباء وتطلع واسع: ثكلته إن لم يسد إلا قومه! بشار بن برد: ومن نكد الأيام سيقت لعانسٍ من اللؤم لا يندى ولا يتبلجُ ولم أعْطَ فيـها حيلـَةً غيــر أنّني أحِنُّ إلى مَا فَاتَ منها وَأنْشِجُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae