أصبحت الحقيبة المدرسية مصيبة، تجثم على كتف الطالب الصغير وخاصة أولئك المنحيين إلى الابتدائية الدنيا·· الدراسات العلمية تقول إن استمرار الطالب بحمل الحقيبة المدرسية على كتفيه وهي بهذه الأثقال والأحمال والأرتال من الورق يؤدي إلى التواء في العمود الفقري وانحناء في الظهر·· هذا يعني أن الجيل الشاب بعد عشر سنوات أو أكثر بقليل سيكون أحدب يسير في الطريق وعيناه في الأرض بمعنى أننا ننشئ جيلاً معاقاً مسحوقاً تحت صهر التعب والشقاء الذي لا يفيد ولا يحيد عن طحن الأجساد الصغيرة بدون مبرر أو سبب· لا أدري لماذا نخالف قوانين الدنيا ونواميس الطبيعة وضرب النصائح الطبية والتجارب العلمية عرض الحائط ونذهب بعيداً بخبراتنا وفطراتنا وعلومنا التي لم تأت بنتيجة حتى الآن؟ لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين ونضعها نبراساً لنا، فهذا ليس عيباً، فالعيب أن نرى الخطأ ونستمر في تكريسه وترسيخه كواقع لا فكاك منه·· بمعنى هل عقمت العقلية التربوية من إيجاد وسيلة، تحمي عظام صغارنا من الوهن والتعب والانكسار؟ وهل اضمحل الفكر التعليمي حتى أنه لم يجد حيلة تقوده الى فضيلة الاعتناء بالأبناء وجيل المستقبل الذي نعول عليه ونضع على كاهله مسؤولية النهوض بمنجزات الوطن والحفاظ على مقدراته· هل أصبح التعليم مرتبطاً بهذه الحقائب الضخمة الممتلئة التي تشبه حقائب السفر ونحن في القرن الحادي والعشرين قرن الاكتشافات التكنولوجية المذهلة، قرن الكمبيوتر والإنترنت والأدوات الفنية التي تكفي أن تحمل معلومات الكون ويكفيها مكان بحجم راحة يد طفل صغير· مراعاة صحة الأطفال والعناية والرعاية لأحوالهم جزء مهم وجوهري من عملية التطوير، وإذا لم يبدأ التغيير من قلب الفكرة السابقة في حمل الحقائب ذات الوزن الثقيل وتحرير الأبناء من هذه الأعمال الشاقة والمؤبدة والتي هي بحق مهينة في حق طالب علم يريد أن يدخل مدرسته ويقف أمام معلمه برأس مرفوع وجسد شامخ لم تكسره مهانة خفض الرؤوس الاجبارية· يجب أن نعلم أبناءنا كيف يرفعون رؤوسهم ويجب أن نعلمهم كيف يتعاملون مع التعليم كاختيار منهجي لا إجبار واضطرار وواجب لا يمكن الخلاص منه إلا بزوال الروح·· حقيقة ما يواجهه الصغار أصبح ضرباً من ضروب التعذيب اليومي والتنكيل الذي لا ينتهي·· فما ذنب طفل في الأول أو الثاني الابتدائي وهو لايزال بأسنان الحليب وقد فرض عليه أن يعيش هذه الدوامة اليومية وأن يمارس هواية لا يحبها، ويتحمل عبئاً لا يستطيع حمله من هو أكبر منه سناً، وأضخم جسماً، لماذا نصدم الطفل من أول يوم يخرج فيه من بيته بهذه المفاجأة غير السارة، ونضعه أمام أمر واقع، نقول له هذا هو مستقبلك، فإن أردت أن تفلح وتنجح وتحقق أمنياتك في الحياة فلابد أن تذهب إلى المدرسة وتحمل كل هذه الكتب والدفاتر وتوابعها·· لماذا نصر على التعجيز وزرع الإحباط وتكسير المجاديف وتمزيق الأشرعة ثم نقول لماذا فشل هؤلاء؟