تاريخ الآداب والفنون يحتفظ بالكثير من الأحداث والوقائع التي تؤرخ العلاقة بين منتجي هذا الإبداع على مختلف أنماطه وأساليبه، ومختلف أزمنته وعهوده ومدارسه المتعاقبة·· هناك وقائع وسجالات لا تحصى في العهود الكلاسيكية للأدب العربي مثلاً، بين أبرز النقاد في عصرهم حول رؤى ومفاهيم بلغت من الحِدّة كونها معارك مشهودة مثل معارك الجيوش والدول والفتوحات في ذلك الزمان·· حول مفاهيم ورؤى تجد نماذجها التطبيقية في شعراء شكّلوا علامات المرحلة وذاكرة الأدب والأمة، وكانت رمزيّتهم في هذا المجال تسبق النقاد مهما بلغوا من الشأو والمعرفة العميقة، ودخل في السجال علماء اجتماع يأتي النقد الأدبي في مرتبة متأخرة بالنسبة لهم مثل ابن خلدون الذي قال عن الثلاثي الشعري الشهير قولته الغريبة: ''المتنبي وأبو تمام حكيمان أما الشاعر فهو البحتري''· وحول هذه الأسماء ومن على شاكلتهم، كانت رحى السجّال الثري والعقيم أحياناً، تدور دورتها المعرفيّة الطبيعيّة، تلك التي تنزع إلى الإلغاء المطلق والتحطيم، أو إلى التبجيل والتقديس وما بينهما من موضوعيّة، إن وُجدت· هذه الدورة المعرفية، وتلك العلاقة المسترخية المنعمة حيناً والمتوترة المزبدة بالغضب والعداء أحياناً كثيرة، تطبع تاريخ الأدب والنقد في الأمكنة والأزمنة على اختلاف الأمزجة والحضارات وأنساق التفكير·· في حقول شعراء الحداثة الذين شكّلوا مناطق مضيئة وعلامات، تدور الدورة نفسها تقريباً، فها هو شاعر على سبيل المثال مثل (مايكوفسكي) يصف بعض نقاده بأقذع هجاء عرفته هذه الثنائية الضديّة بين الشاعر والناقد عبر التاريخ المفعَم بأمثلة تشكل موسوعات في هذا المجال: ''توله الحوذي، مرة، بغسالة ثرثارة فكان هذا الجرو الدميم وكصبي لا يلقى في القمامة أو يحمل في عربة يد وأعولت أمه ودعته ناقداً'' ''ما أكثرنا نحن الكتاب، لنجمع مليون روبل ونشيد لنقادنا ملجأ عجزة في مدينة بيتا أتراكم تظنون أن من السهل عليهم أن ينظفوا ألبستنا الداخليّة كل يوم على صفحات الجرائد''· مايكوفسكي لا غيره قائل هذا الكلام أو الشعر، مايكوفسكي الذي أطبقت شهرته العالم، وهذا ينم عن إنصاف ما في النقد والإعلام والتكريم· لكن رغم ذلك حاصرته الأسئلة والاغترابات والقلق فمات منتحراً في ربيع عمره الغني العاصف·