لو سئل أحدنا، مثقفاً كان أو غير مثقف: ما هو دور الرقم في حياتك؟ لوَجَم·· ما هو دور الهندسة؟ ما دور الآلة؟ لوَجَم·· فلعلنا لا نزال متخلفين عن حدود الثورة النيوتونية، التي تجاوزها العالم المتطور بمراحل منذ رحيل العالم البريطاني نيوتن (1642 ـ 1727) مكتشف قوانين الجاذبية·· ماذا يعني اليوم القول إن العرب متخلفون بالإجمال عن التطور العلمي والتكنولوجي لإنسان العصر، سوى ذلك؟ هذه التهمة كان قد ساقها بحق العرب، منذ حوالي نصف قرن، مع ذيول الاستعمار القديم، وتمدد الاستعمار الجديد والإمبراطورية الأميركية، هنري كيسنجر·· في ما يشبه النظرة الواقعية والاستعلائية العرقية في وقت واحد، لكن سنوات نصف قرن من الزمان، لم تكن كفيلة بإظهار فساد هذه الفكرة من الناحية العنصرية، فثبتتها لجهة خمول العقل العربي العلمي العام··· وهو عقل عام فيه أثر من كل عقل، ويمكن اختصاره بالحقيقة الرقمية· ثمة حقائق كثيرة تم تداولها في تاريخ الإنسان، من بينها الحقيقة التاريخية والحقيقة العلمية والحقيقة الفنية أو الأدبية، والحقيقة الرقمية جزء من الحقيقة العلمية على كل حال··· وكان يظهر تداخل بين الواقع والمخيلة بنسب متفاوتة بين هذه الحقيقة وتلك· فروايات الخيال العلمي التي مهدت للاكتشافات الحديثة أو رافقتها في الغرب، هي جزء من الأدب··· وربما انطوى الشعر على بعض أسرار العلم أو استبقها··· وذلك لا ينتقص من حقيقة دون أخرى، بل يجعلها متكاملة كطائر يطير بجناحيه· سمة التخلف تظهر في الغلبة المطلقة لثقافة على أخرى· فمجتمع كالمجتمع العربي تغلب عليه الثقافة الأدبية على الثقافة العلمية مجتمع متخلف··· ومثله مجتمع آلي متطور، ولكن لا مكان فيه للموسيقى مثلاً أو للشعر··· ومهما يكن من أمر، يلوح لي أن واقعنا العربي لا ينطوي على هذا التوازن بين الرقم والمخيلة، والموسيقى والمصنع، والقصيدة والمختبر، واللوحة وآلة الكمبيوتر· نمشي بتثاقل في هذا الزمان السريع المتجه الى الاختزال والذي تظهر فيه المعرفة العلمية والتكنولوجية مشرئبة كأنها حصان البرق، أو كأنها لمح البصر، والجن الموصوف في حكايات القدماء، وما يمكن ملاحظته أيضاً، هو أننا قليلاً ما نولي أنظمة التخزين والدراسات المستقبلية أهمية·· فالإحصائيات التي تشير الى تكاثر المعلومات في العالم تكاثراً مطرداً بحيث أنها تتضاعف مرة كل ثلاث سنوات، تقتضي إيجاد أجهزة استيعاب واختزال هائلة تملكها الدول المتطورة·· فمن نحن أمام هذه الحقائق العلمية الراهنة؟ وما هو موقعنا بين المتصارعين على امتلاك الحقيقة الرقمية، صراعاً ينعقد في الفضاء وأعماق البحار وفي المختبرات ومراكز الدراسات، وفي المصانع كما في مراكز التخطيط وأماكن التنصت والتجسس، وفي مراكز توليد الطاقة كما في أماكن صرفها؟ ما هو دور الرقم في حياتك اليوم؟ هذا هو السؤال·