الواقع الديني الهش، تربة خصبة وثرية لتكاثر أمراض وطفيليات تهدد المجتمع والناس بأخطار جمة·· والوقوف على المؤسسات الدينية، ومتابعة برامجها الهزيلة من تندر ثقافي وديني لا يمت بصلة إلى رؤية البلاد في مواجهة كل ما هو غث ورث ومستورد ومستهلك وبائس لا ينمي مجتمعاً ولا يربي جيلاً ولا يصنع ثقافة إنسانية تقوم على البناء والعطاء والتفاعل مع الآخر بشكل ندي، وجدي، ومؤثر· الواقع الديني طريق مفتوح على آخره لكل الانحرافات والانجرافات باتجاه ما يضر المجتمع ويسيئ إلى مشهده الحضاري الرائع والناصع·· والمؤسسة الدينية في بلادنا تحررت من دورها الجوهري وتفرغت لشعارات باهتة لا تصد ولا ترد، ولا تقوى على مجابهة الظروف الحالكة، التي غاصت في أتونها فئة من الناس وراحت تستجلب الفتاوى والدعاوى من علب السردين المشمعة ببصمة خارجية استقوت على الواقع الاجتماعي وقيمه وعاداته وموروثه الديني الحقيقي·· الأمر الذي جعل الزمان يدور بعجلات معطوبة وأفكار مثقوبة ورؤى مسلوبة وأفعال مقلوبة وعقائد تئن تحت وطأة الحمل الكاذب·· وجدير بنا هنا أن نؤكد بالقول الصريح وبلا تجريح، أنه في الزمن الصعب الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، والسالب بالموجب والحاطب بالشاجب لابد أن يكون التوجه الديني لدى المؤسسات الدينية أخضر يانعاً يافعاً لا يقبل الأنصاف والأرباع، والأشباه في ملامسة القضايا الجوهرية والعقيدة المحورية·· مجتمعنا مجتمع مسلم ملتزم ملتئم لا يحتاج إلى منظرين يقلبون الحقائق ولا إلى مهرولين، يحولونه إلى طرائق ولا إلى مشعوذين يفعلون من البخور حرائق ولا إلى مدجلين مجندلين بالسوقية والسوابق·· مجتمعنا بحاجة ماسة إلى تكريس الثوابت وتأكيد المنابت ووضع حد لكل شارد هربت من بين يديــــــه أســــاور الحلم الجميــــل وبــــات يســـقط، ويـــــشــط، وينحط، ويسقط في وهدة الكوابيس وأحلام اليقظـــة المفزعة· نحن اليوم بحاجة ماسة إلى المؤسسات الدينية التي تقوم بدور الناهض بالمشاعر الدينية والمرتقي بالفكر الإنساني نحو آفاق رحبة خصبة لا يستدعي الدين إلا من أصوله وفصوله وحقوله ومساحاته الوسيعة الفسيحة الصريحة الندية المنتخبة من كتاب الله عز وجل لا من عقول من توسل، وتسلل، واستعجل، واستفحل داء وباء عضالاً· نحن بحاجة إلى هذه المؤسسة الدينية التي تجمع رجالات أفزازاً تربوا على دين محمد (صلى الله عليه وسلم) وفهموا الدين على أنه عقيدة حياة وشريعة حضارة ورؤية تنمي روح الولاء للوطن الواحد والدين الواحد المنفتح على الآخر بقلب وبصر وروح ودم· نحن بحاجة إلى هذه المؤسسة الغنية بعطائها الفتية في فعلها، السخية في تفاعلها، الزهية في سطوعها ونصوعها، ونحن بحاجة إلى هذه المؤسسة التي لا تغرد إلا باتجاه الوطن ولا تسرج الخيل إلا نحو الإنسان وهمومه وطموحاته وأحلامه، نحن بحاجة إلى هذه المؤسسة التي لا يغالبها نعاس ولا تفرك جفوناً حين يمس التهور جوهر الوطن وقضاياه المحورية وعقيدته السمحاء·· نحن بحاجة إلى مؤسسة دينية تكون جسراً موصلاً إلى المعرفة في مواجهة الهرطقة والزندقة والاختلالات النفسية والتوعك الفكري·